هارفارد بين نيران الاتهامات والتحقيقات الداخلية.. أزمة تعدد الهويات وصراع السرديات في الحرم الجامعي
كشفت جامعة هارفارد الأمريكية، إحدى أعرق المؤسسات التعليمية في العالم، عن تقريرين منفصلين يرصدان مناخًا متزايدًا من التمييز والكراهية داخل الحرم الجامعي، حيث تم توثيق مؤشرات واضحة على تنامي معاداة السامية، إلى جانب تصاعد المواقف العدائية تجاه المسلمين والعرب، في سياق مشحون سياسيًا واجتماعيًا يتأثر بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وتداعياته على الداخل الأمريكي.
أُعدّ التقريران، الصادران في أبريل 2025، استنادًا إلى مئات الشهادات من طلاب وأعضاء هيئة تدريس وموظفين، وجاءا كرد مباشر على اتهامات علنية وجهها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ضد الجامعة، واصفًا إياها بأنها "مؤسسة يسارية متطرفة ومعادية للسامية"، بل و"تهديد للديمقراطية"، في إطار حملة أوسع تستهدف مؤسسات أكاديمية كبرى مثل جامعة كولومبيا. هذه الاتهامات جاءت بعد موجة احتجاجات طلابية واسعة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، أعقبت هجوم حركة حماس في أكتوبر 2023.
تقرير معاداة السامية والمواقف المعادية لإسرائيل:
- أعدته لجنة ضمت أعضاء هيئة تدريس وطلاب.
- وثق مظاهر عداء لليهود ومواقف معادية لإسرائيل داخل الحرم الجامعي.
- أشار إلى أن هذه الظواهر "غُذّيت ومورست وتُسامح معها"، ليس فقط داخل هارفارد، بل ضمن الأوساط الأكاديمية الأوسع.
- أوصى بأن تتحمل الجامعة دوراً ريادياً في مكافحة معاداة السامية.
تقرير الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد العرب والفلسطينيين:
- أعدته لجنة مستقلة ركزت على مظاهر التمييز ضد المسلمين والعرب.
- أشار إلى شعور متجذر بالخوف وانعدام الأمان بين طلاب وأعضاء هيئة تدريس عرب ومسلمين.
- وصف المناخ العام بأنه يسوده "التعصب والتخلي والتهديد والعزلة".
رد فعل الجامعة
أكد رئيس جامعة هارفارد، آلن غاربر، التزامه بعدم التساهل مع أي شكل من أشكال التعصب أو التمييز، مشددًا على أهمية حماية كافة مكونات المجتمع الجامعي. كما وعد بالإشراف على تنفيذ التوصيات الواردة في التقريرين، في محاولة لاستعادة الثقة في الحرم الجامعي كمكان آمن للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية.
السياق السياسي الأوسع
تأتي هذه الأزمة في وقت تحوّلت فيه الجامعات الأمريكية إلى ساحات صراع سياسي وثقافي. فإدارة ترمب التي تتبنى خطابًا محافظًا، اتهمت مؤسسات التعليم العالي بأنها تغذي الاحتجاجات اليسارية، وبدأت تستخدم تهمة "معاداة السامية" كأداة سياسية للضغط على تلك المؤسسات، بل واستغلتها لتبرير إجراءات تستهدف برامج التمويل الفيدرالي وتقييد قبول الطلاب الأجانب.
جامعة هارفارد، التي سبق أن واجهت إدارة ترمب قضائيًا دفاعًا عن استقلالها الأكاديمي بعد تجميد تمويل بملياري دولار، تجد نفسها اليوم في موقع دفاع مزدوج: مواجهة انتقادات سياسية خارجية من جهة، ومحاولة إصلاح داخلي شامل من جهة أخرى.
الأزمة التي تشهدها هارفارد ليست مجرد انعكاس لتوترات داخلية، بل تمثل صورة مصغّرة للصراع الثقافي والسياسي الأوسع في الولايات المتحدة، حيث تتقاطع حرية التعبير، وقضايا الهوية، وواقع الشرق الأوسط، في مشهد يعيد طرح السؤال الجوهري: هل تستطيع الجامعات أن تبقى ساحات للعلم والتعددية في زمن الاستقطاب الحاد؟.
