اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الاحتجاجات الجامعية في أميركا بين الدعم الفلسطيني وقبضة إدارة ترمب.. قضية ستانفورد نموذجاً

دعم غزة
محمود المصري -

في تطور جديد يُلقي الضوء على تصاعد التوترات بين الحركات الطلابية المناصرة للقضية الفلسطينية وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وجّه الادعاء العام في ولاية كاليفورنيا اتهامات جنائية لـ12 متظاهراً، على خلفية احتجاج نظّم داخل جامعة ستانفورد في يونيو 2024. يُتهم هؤلاء المتظاهرون، ومعظمهم من فئة الشباب بين 19 و32 عاماً، بالمشاركة في ما وصفه الادعاء بـ"مؤامرة لاحتلال مكتب رئيس الجامعة"، وهي تهمة ذات أبعاد قانونية وأمنية تتجاوز مجرد العصيان المدني أو الاحتجاج السلمي.


من الاحتجاج إلى الاتهام الجنائي


الاحتجاج، الذي رفع شعارات داعمة لفلسطين، جاء ضمن موجة احتجاجات أوسع اجتاحت الجامعات الأميركية منذ تصاعد الحرب في غزة عام 2023. لكن ما يميز واقعة ستانفورد هو الطابع التصعيدي للاحتجاج، حيث قام المحتجون باقتحام المبنى الإداري وتحطيم نوافذ، متحصنين داخله، في تحرك رمزي أطلقوا عليه اسم "مكتب الدكتور عدنان" تخليداً لاسم الطبيب الفلسطيني عدنان البرش، الذي توفي في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
رغم الطابع الرمزي، تعاملت السلطات مع الحادث باعتباره "تخريباً مدبّراً"، واحتُجز على إثره 13 شخصاً، فيما سُجلت إصابة أحد أفراد الشرطة، وتعرض المبنى لأضرار وُصفت بـ"الجسيمة". ووفقًا للادعاء، دخل المتظاهرون ملثمين وكسر أحدهم نافذة للدخول، ما اعتُبر دليلاً على النية المسبقة والتخطيط، وهو ما نقل القضية من دائرة حرية التعبير إلى إطار جنائي.


خلفيات سياسية وتشديد في الإجراءات


هذه القضية ليست معزولة عن السياق السياسي الأميركي الحالي، حيث تتبع إدارة ترمب نهجاً صارماً تجاه الجامعات التي تشهد نشاطاً سياسياً مناهضاً لإسرائيل. وتحت ذريعة "مكافحة معاداة السامية"، أطلقت الإدارة حملة واسعة شملت:
تحقيقات رسمية بحق أكثر من 60 جامعة أميركية.


تهديدات بسحب التمويل الفيدرالي، كما حصل مع جامعة كولومبيا التي خُفّض دعمها بـ400 مليون دولار.


إعادة النظر في تسعة مليارات دولار من المنح الفيدرالية لجامعة هارفارد.


تجميد عشرات المنح البحثية في جامعة برينستون.


استهداف برامج التنوع والشمول، كما حدث مع جامعة بنسلفانيا التي فُرضت عليها عقوبات بسبب سياسات تتعلق بالمتحولين جنسياً.


وفي تصعيد آخر، بدأت سلطات الهجرة الأميركية باعتقال بعض الطلاب الأجانب المشاركين في الاحتجاجات، وتحركت لإجراءات ترحيل ضدهم، ما أثار قلقاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والحقوقية.

الاحتجاجات.. تعبير سياسي أم تهديد أمني؟

أزمة جامعة ستانفورد تثير تساؤلات أوسع حول حدود حرية التعبير في المؤسسات التعليمية الأميركية، خصوصاً عندما تتقاطع مع مصالح السياسة الخارجية والدعم المطلق لإسرائيل. يرى كثيرون أن ما يحدث هو تسييس ممنهج للحياة الجامعية، وتحجيم لحرية التعبير، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
في المقابل، ترى إدارة ترمب أن هذه الاحتجاجات تجاوزت الخطوط الحمراء، وأن بعض الجماعات الطلابية تمارس "تحريضاً وعداءً صريحاً لليهود"، وتستغل المؤسسات التعليمية كمنابر سياسية.
قضية "متظاهري ستانفورد" باتت تمثل نموذجاً للصدام المحتدم بين قوى شبابية مدفوعة بروح العدالة لقضية فلسطين، وسلطة سياسية تسعى للسيطرة على الخطاب داخل الجامعات. في الوقت الذي تطالب فيه منظمات حقوقية وأكاديمية بحماية حرية التعبير، يبدو أن إدارة ترمب ماضية في فرض رؤيتها الأيديولوجية على المشهد الأكاديمي الأميركي، مع تحويل الفضاء الجامعي إلى ساحة مواجهة سياسية لا تخلو من الحسابات الانتخابية.
وفي ظل تصاعد هذه المواجهة، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل تنجح الجامعات في الحفاظ على استقلالها؟ وهل تصبح قضية فلسطين سبباً لإعادة تعريف حدود الحرية في أميركا؟.