اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

دبلوماسية تحت المقصلة.. خطة روبيو لإعادة هيكلة الخارجية الأميركية

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو
محمود المصري -

في خطوة تعكس تحوّلاً جذرياً في فلسفة السياسة الخارجية الأميركية، أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو عن خطة شاملة لإعادة هيكلة وزارة الخارجية، وُصفت بأنها الأكثر طموحاً منذ عقود. هذه المبادرة تأتي في سياق جهود إدارة ترمب الثانية لإعادة رسم معالم المؤسسات الفيدرالية، متسلحة بشعار "أميركا أولاً"، وبتوجه نحو تقليص النفقات، وخفض التوظيف، ومواجهة ما تعتبره النخبة الجمهورية "أيديولوجيات متطرفة" داخل مؤسسات الحكم.

الخطة، التي كشفت تفاصيلها صحيفة واشنطن بوست استناداً إلى وثائق داخلية، لا تكتفي بإصلاحات إدارية بل تمس جوهر دور الولايات المتحدة في العالم. فهي تطال برامج حساسة مثل حقوق الإنسان، والتحقيق في جرائم الحرب، وتعزيز الديمقراطية، وكلها ركائز طالما مثّلت وجه أميركا الأخلاقي والقيَمي في الساحة الدولية.

ورغم أن الخطة لا تنص صراحة على عمليات تسريح جماعي، إلا أنها تدعو إلى خفض عدد العاملين داخل الولايات المتحدة بنسبة 15%، في خطوة قد تعني عملياً فقدان مئات الوظائف، وربما آلاف أخرى لاحقاً، خصوصاً في ظل حديث بعض المسؤولين عن "تقليص أوسع نطاقاً" قد يطال ما يصل إلى عشرات الآلاف من موظفي الوزارة حول العالم.

سياق سياسي وطني ودولي

تأتي هذه التغييرات في لحظة مفصلية من عمر الدولة العميقة في واشنطن، حيث تُحاول إدارة ترمب – مدعومة بشخصيات مثل روبيو – تفكيك ما تعتبره شبكة من البيروقراطية غير الخاضعة للمساءلة، والتي كثيراً ما تصادمت مع أجندة الرئيس الجمهوري خلال ولايته الأولى. وقد لعبت الخارجية دوراً محورياً في ملفات شائكة، بينها التحقيقات في عزل ترمب، مما عزز لدى البيت الأبيض قناعة بضرورة "تطهير" الوزارة.

لكن ما يُثير القلق لدى العديد من المراقبين هو أن الخطة لا تأتي بناءً على مشاورات موسعة مع الكونغرس، بل تُطرح كأمر واقع، ما دفع بشخصيات ديمقراطية بارزة إلى إطلاق تحذيرات من "تآكل الدبلوماسية الأميركية"، وتراجع قدرة واشنطن على قيادة العالم أو حتى الحفاظ على مصالحها الحيوية.

بين الرفض الديمقراطي والترحيب الجمهوري

الديمقراطيون، من أمثال جريجوري ميكس وبراين شاتز، يرون في هذه الخطوة محاولة لإضعاف دور الخارجية التاريخي، بل ومخاطرة بتفكيك أدوات التأثير الأميركي في العالم. أما الجمهوريون، وعلى رأسهم براين ماست، فيرون في الخطوة ضرورة حتمية لتحديث مؤسسة ظلت لعقود أسيرة البيروقراطية والتضخم الهيكلي.

ورغم محاولات روبيو طمأنة الداخل الأميركي بأن الخطة مدروسة، فإن الوثائق المسرّبة – ومنها تقارير عن إلغاء محتمل لمكاتب مهمة مثل مكتب الشؤون الإفريقية – أشعلت مخاوف عميقة بين الدبلوماسيين الحاليين والسابقين، لا سيما في ظل ما يعتبره البعض نهجاً غير شفاف في التخطيط والتنفيذ.

تفكيك أم تحديث؟

في المحصلة، فإن ما يُعرض اليوم على أنه "إعادة هيكلة تقنية" يبدو في جوهره عملية إعادة تعريف شاملة لهوية وزارة الخارجية، من مؤسسة للدبلوماسية العالمية إلى ذراع تنفيذية لأجندة داخلية تنظر إلى العالم من منظور اقتصادي وأمني صرف. إنه تحوّل ليس إدارياً فحسب، بل فكرياً واستراتيجياً، يُعيد طرح سؤال جوهري: هل تتخلى أميركا عن دبلوماسيتها الكونية مقابل حسابات محلية؟.