سياسة الخطوط الحمراء.. قراءة تحليلية في مواقف إدارة ترمب من ملفات إيران وروسيا وسوريا وغزة والسودان

في الذكرى المئوية الأولى لتولي إدارة الرئيس دونالد ترمب مقاليد الحكم، خرجت نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، مينيون هيوستن، بتصريحات تكشف ملامح السياسة الخارجية الأميركية في ملفات محورية تشغل الساحة الدولية. جمعت هذه التصريحات بين الخطاب التصالحي والمواقف الصارمة، مما يعكس نهجاً دقيقاً يقوم على موازنة بين الانخراط الدبلوماسي والحفاظ على النفوذ الأميركي عالمياً.
أولاً: الموقف من روسيا – لا تطبيع دون سلام في أوكرانيا
أبرزت هيوستن تشدد الإدارة الأميركية في ربط أي تطبيع مع روسيا بالتوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي الحرب في أوكرانيا. هذا الموقف يندرج في إطار سياسة الضغط الدبلوماسي، حيث يتم استخدام ورقة "العلاقات الثنائية" كوسيلة للضغط على موسكو، في ظل تفاقم الخسائر الإنسانية والعسكرية شرق أوروبا.
ورغم الإقرار بوجود تقدم في المسارات التفاوضية، شددت هيوستن على أن القرار النهائي لا بد أن يأتي من "الأطراف المعنية"، في إشارة إلى أن واشنطن لن تفرض تسوية، بل ستدفع نحوها عبر دعم شركائها الأوروبيين والاستمرار في الضغط السياسي والاقتصادي على روسيا.
ثانياً: الملف الإيراني – تفاوض مشروط بلا سلاح نووي
في تحول دبلوماسي لافت، أبدت هيوستن انفتاح إدارة ترمب على مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، شرط أن لا تسعى طهران إلى امتلاك سلاح نووي. هذا التوجه يعكس براغماتية أميركية تعترف بواقع البرنامج النووي المدني الإيراني، مع رفضٍ حازم لأي تطور يمكن أن يقود إلى التسلح النووي.
ووصفت الجولات التفاوضية السابقة بأنها "بنّاءة"، مما يدل على وجود قنوات اتصال نشطة، وإن كانت غير مباشرة، عبر وسطاء إقليميين كسلطنة عمان. إلا أن إدارة ترمب، ورغم انفتاحها، تضع خطاً أحمر واضحاً عند نقطة تطوير الصواريخ الباليستية وتخصيب اليورانيوم، ما يعني أن أي اتفاق مستقبلي سيشمل بلا شك آليات رقابة صارمة وتنازلات إيرانية في ملفي التسليح والتوسع الإقليمي.
ثالثاً: غزة – إنسانية مشروطة بوقف إطلاق النار
أكدت هيوستن أن إدارة ترمب تركز على تلبية الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة، لكنها تربط ذلك بوقف شامل لإطلاق النار. ويعكس هذا الطرح إدراكاً أميركياً بتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، لكنه أيضاً يُحمّل حركة "حماس" مسؤولية مباشرة في استمرار الحرب.
اللافت في التصريحات أن الإدارة الأميركية تسعى لتقديم نفسها كوسيط إنساني فاعل، لكنها في الوقت ذاته تحذر من أن استمرار الفوضى يحول دون تنفيذ خطط الإغاثة، بل وتلمّح إلى تعرض بعض المساعدات للنهب، في إشارة غير مباشرة إلى انعدام الثقة في الجهات المحلية المسيطرة على القطاع.
رابعاً: سوريا – ثبات في عدم الاعتراف بالنظام
في الملف السوري، حافظت الولايات المتحدة على موقفها التقليدي بعدم الاعتراف بشرعية الحكومة السورية، مؤكدة ضرورة رؤية "أفعال لا أقوال" من السلطة المؤقتة، خاصة في مجال محاربة الإرهاب وحماية الأقليات. التصريح يحمل إشارات ضمنية إلى وجود تواصل أو وساطة، دون أن يعني ذلك تغيراً جوهرياً في الموقف السياسي.
كما رفضت هيوستن التعليق على التقارير التي تحدثت عن لقاءات مع مسؤولين سوريين في نيويورك، ما يُبقي الباب موارباً أمام احتمالات دبلوماسية مستقبلية، ولكن بشروط أميركية صارمة.
خامساً: السودان – الاستقرار بوابة الشراكة
في ما يتعلق بالحرب السودانية، أكدت هيوستن أن لا إمكانية لأي شراكة اقتصادية أو سياسية مع السودان قبل وقف إطلاق النار. وتُقدّم واشنطن نفسها هنا كضامن محتمل للاستقرار، في محاولة للعب دور موازن في القارة الإفريقية، خصوصاً مع تصاعد النفوذ الصيني والروسي هناك.
إدارة ترمب ترسم معادلة جديدة
تبدو إدارة ترمب في سعيها الحالي أكثر واقعية مقارنة بخطابها الانتخابي الحاد؛ فهي لا تمانع التفاوض مع إيران، لكنها تشترط. وتريد الانسحاب من صراعات، لكنها تشترط ضمانات أمنية. وتُظهر تعاطفاً مع غزة، لكنها ترفض تجاوز "حماس". في الوقت ذاته، تُشدد على دعم الحلفاء، وتضغط على الخصوم دون التصعيد الميداني المباشر.
بهذا، ترسم الإدارة الأميركية سياسة خارجية هجينة، تمزج بين البراجماتية والمبدئية، وتفتح باب الحلول الدبلوماسية دون التفريط بالمصالح الأميركية أو تجاهل تحالفاتها التقليدية. ومع اقتراب زيارة ترمب المرتقبة إلى الشرق الأوسط، تبدو الإدارة أمام اختبار جديد لترجمة هذه المواقف إلى نتائج على الأرض.