اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الدخان الأسود يتصاعد من مدخنة كنيسة سيستين.. وملايين اليوروهات مراهنات على اسم البابا الجديد

دخان أسود يتصاعد من مدخنة كنيسة سيستين السابع من مايو 2025
خالد الحويطي -

* فشل أول تصويت والمجمع المغلق يستأنف أعماله اليوم الخميس

تصاعد دخان أسود من مدخنة كنيسة سيستينا في الفاتيكان مساء أمس الأربعاء مع عدم تمكن الكرادلة الـ133 في المجمع الانتخابي الذي بدأ أعماله في اليوم نفسه من اختيار بابا جديد، خلفاً للراحل فرنسيس.

وتصاعد هذا الدخان من مدخنة كنيسة سيستينا نحو الساعة 19,00 مساء الأربعاء بتوقيت جرينتش، في إشارة إلى أن أول تصويت للكرادلة لم يفض لانتخاب بابا، بحسب مراسلي وكالة الصحافة الفرنسية.

وأتى ذلك بعدما بدأ الكرادلة الكاثوليك أعمال المجمع المغلق ليختاروا بسرية تامة خلفاً للبابا الراحل، وانعزلوا في كنيسة سيستينا بالفاتيكان بعد مراسم دينية مهيبة.

ويستأنف الكرادلة أعمال المجمع المغلق اليوم الخميس، على أن تتخلله عمليتا تصويت صباحاً وأخريان بعد الظهر، وينتخب البابا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجمع (أي 89 صوتاً).

وبعد أكثر من أسبوعين على رحيل البابا فرنسيس، التأم الكرادلة الناخبون البالغ عددهم 133 والقادمون من 70 بلداً، وهو عدد قياسي للبلدان الممثلة، في هذا المجمع الانتخابي (المعروف بـ"كونكلاف") المضبوط الإيقاع بدقة، الذي تتابعه وسائل إعلام العالم أجمع لنقله إلى الكاثوليك المقدر عددهم بنحو 1,4 مليار.

وبعدما أقيم قداس صباحاً في كنيسة القديس بطرس، اجتمع الكرادلة بالزي التقليدي ذي اللونين الأحمر والأبيض بعيد الساعة 16,00 (14,00 بتوقيت جرينتش) لإقامة صلاة مشتركة في كنيسة باولينا قبل أن يدخلوا في موكب إلى كنيسة سيستينا المحاذية.

ومن خلال وضع اليد على إنجيل مفتوح، أدى كل كاردينال يمين الحفاظ على سرية هذا الاجتماع المغلق، تحت طائلة الحرم الكنسي، قائلاً باللغة اللاتينية "أعد، وأتعهد، وأقسم".

ثم نطق رئيس الاحتفالات الليتورجية البابوية المطران دييجو رافيلي، الصيغة الشهيرة "Extra Omnes!" أي "ليخرج الجميع" بهدف إخراج الأشخاص غير المصرح لهم بالمشاركة في هذا الاجتماع المغلق من مسؤولين وممرضين ورهبان، وسينقطع الكرادلة تماماً عن العالم الخارجي متخلين عن هواتفهم الخلوية، فيما قطعت شبكة الاتصالات في داخل الفاتيكان.

وخارج الكنيسة، قوبل الإعلان بتصفيق المؤمنين الذين تابعوا الحفلة عبر أربع شاشات عملاقة.

وأغلقت الأبواب الساعة 17,45 (15,45 ت ج) على الكرادلة حيث سينعزلون بالكامل في الكنيسة المهيبة التي تزين سقفها لوحات ميكيلانجيلو الجدارية وأشهرها "يوم الدينونة"، ليختاروا في السر بابا جديداً.

وستكون أنظار العالم موجهة إلى المدخنة المعدنية على سطح الكنيسة التي سيخرج منها بعد كل جولة تصويت، دخان يؤشر إلى النتيجة، إما أبيض في حال انتخاب بابا أو أسود في حال لم يتم ذلك.

وهذا المجمع الانتخابي الذي يتابعه أكثر من 5 آلاف صحافي، ووصفته "لا ستامبا" الإيطالية بـ"يوم الدينونة" و"لا كروا" الفرنسية بـ"ساعة الحسم"، يثير اهتماماً يتخطى بحدوده الأوساط الدينية، كما يظهر من المراهنات الواسعة على اسم البابا الجديد التي بلغت ملايين اليوروهات والإقبال الكثيف على الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة فيلم عن الكونكلاف صدر في عام 2024.

ومن بين الكرادلة الأوفر حظاً لتولي رئاسة الكنيسة الكاثوليكية، الإيطالي بييترو بارولين ومواطنه بييرباتيستا بيتسابالا والمالطي ماريو جريش والفيليبيني لويس أنطونيو تاجلي ورئيس أساقفة مرسيليا الفرنسي جان-مارك أفلين.

وقالت جابرييلا سانز بالسيلز في ساحة القديس بطرس "علمنا أن المجمع يبدأ أعماله اليوم وأتينا، سيكون مذهلاً أن نتمكن من رؤية الدخان بصرف النظر عما إذا كان أبيض".

وفي وقت سابق، وقال إنتسو أورسينجر وهو متقاعد من روما في الـ78 من العمر، إن على البابا الجديد "أن يمثل كل القارات حيث الكاثوليكية منتشرة".

وأشار "لا أعتبر أنه من الوارد تسمية بابا يؤيد الإجهاض، لكن من الإيجابي جداً أن يذهب مثلاً لزيارة النزلاء في سجونهم، ولا بد من أن يكون قريباً ممن يعانون".

وعين البابا الأرجنتيني اليسوعي الذي أطلق ورشة إصلاحية كبيرة في المؤسسة الكنسية 81 في المئة من الكرادلة المخولين التصويت، خصوصاً من البلدان المهمشة من الكنيسة أو البعيدة من أوروبا.

ونتيجة لذلك، يعد هذا المجمع البابوي الأكثر تمثيلاً لدول العالم في تاريخ الفاتيكان مع 70 دولة تمثل القارات الخمس ومن أكثرها انفتاحاً، وللمرة الأولى تحظى 15 دولة بتمثيل فيه، بينها هايتي والرأس الأخضر وجنوب السودان.

ولا شك في أن "بعض كنائس الجنوب تكن إزاء الغرب، ولا سيما للأوروبيين، ما يشبه الضغينة السياسية أو معارضة ثقافية"، على ما قال فرنسوا مابيل مدير المرصد الجيوسياسي للشؤون الدينية.

وأشار إلى "شرخ شهدناه جلياً طوال حبرية البابا فرنسيس" بين "من يعتبرون أنه لا بد من التذكير دوماً بمبادئ العقيدة، وهؤلاء الذين يدعون إلى احتضان الرعية ومواكبة" أبنائها.

وخلال الأيام الماضية، عقد الكرادلة 12 "جلسة عامة" بغرض التعارف وتشارك وجهات النظر في شأن التحديات التي تواجهها الكنيسة، كي يرسموا الملامح العامة للبابا المقبل.

غير أن التطورات الجيوسياسية قد تلقي بظلالها أيضاً على هذه الانتخابات، في ظل تنامي النزعة الشعبوية وعودة دونالد ترمب للبيت الأبيض وتوسع الحرب في غزة.

ويمكن إذاً "التصور أن الكرادلة الذين يراعون السياق العالمي الذي نشهده منذ عودة ترمب قد يعتبرون أنه لا بد من تعيين شخصية مخضرمة على رأس الكنيسة الكاثوليكية تكون على دراية تامة بالعلاقات الدولية"، على حد قول فرنسوا مابيل.