اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

نداء البابا ليو الرابع عشر.. صرخة من الفاتيكان لوقف نزيف الحروب وإحياء الأمل بالسلام

بابا الفاتيكان
محمود المصري -

في أول ظهور علني له بعد انتخابه بابا للفاتيكان في الثامن من مايو، وجّه البابا ليو الرابع عشر نداءً قوياً إلى العالم، ناشد فيه القوى العالمية الكبرى لوقف الحروب التي تمزق العالم، مؤكداً أن البشرية اليوم أحوج ما تكون إلى سلام حقيقي ودائم. جاء هذا النداء خلال أول قداس له في ساحة القديس بطرس، حيث احتشد آلاف المؤمنين ليستمعوا إلى خطابه الذي طغى عليه الطابع الإنساني والدعوة للسلام.

لم يكتف البابا الجديد بمجرد الدعوة إلى السلام كمفهوم عام، بل تطرق إلى أزمات محددة تشغل الرأي العام العالمي، وأعرب عن قلقه البالغ إزاء التصعيدات الجيوسياسية الجارية. وقد ركز على ثلاث ساحات توتر كبرى:
أوكرانيا: دعا إلى تحقيق سلام حقيقي ودائم، في إشارة إلى تعقيدات الحرب الروسية الأوكرانية، التي تجاوزت كونها نزاعاً إقليمياً لتصبح صراعاً دولياً متعدد الأبعاد، سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا. تأتي دعوة البابا في وقت تستمر فيه العمليات العسكرية بلا أفق واضح للتسوية، وتزداد معاناة المدنيين وسط تدهور في البنية التحتية والمساعدات الإنسانية.


غزة: طالب بـ وقف فوري لإطلاق النار، مشيرًا ضمناً إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، الذي خلّف آلاف القتلى والجرحى، وتسبب في موجات نزوح قسري وانهيار النظام الصحي والاقتصادي في غزة. دعوة البابا هنا تعكس قلقًا إنسانيًا وأخلاقيًا تجاه الضحايا المدنيين، وهي تأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، وسط انقسام مواقف القوى الكبرى.


الرهائن الإسرائيليون: طالب بإطلاق سراح جميع الرهائن، في إشارة إلى التعقيد الإنساني للصراع، حيث لا تقتصر المعاناة على طرف دون آخر. تمثل هذه الدعوة رغبة في إنهاء دوامة العنف المتبادل، وإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية بعيدًا عن الحسابات السياسية.


إضافة إلى ذلك، رحّب البابا باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، معتبراً إياه بارقة أمل في منطقة عانت طويلاً من التوترات والعداء، خاصة في كشمير. وعبّر عن أمله في أن تكون هذه الخطوة بداية لمسار تفاهم طويل الأمد، يفتح الباب أمام مصالحة شعوب الجوار.

الأبعاد الرمزية


يحمل خطاب البابا ليو الرابع عشر دلالات رمزية قوية، إذ جاء في أول قداس علني له، مما يعكس رغبته في ترسيخ صورة راعٍ عالمي للسلام والعدالة منذ بداية حبريته. كما أن توجيه هذه الرسائل من ساحة القديس بطرس، التي تعد مركزًا روحيًا للمسيحيين في العالم، يضفي على النداء صبغة أخلاقية وروحية تُعلي من صوت الضمير في وجه ضجيج السلاح.

التحديات المتوقعة


ورغم صدق النوايا في خطاب البابا، إلا أن الواقع الجيوسياسي يُنذر بصعوبة الاستجابة الفورية لمثل هذه الدعوات. فالمصالح المتشابكة، والأطراف الدولية المتورطة، والانقسامات السياسية العميقة، تجعل من "السلام الدائم" هدفًا بعيد المنال في المدى القريب، ما لم تترافق الدعوات الروحية مع جهود سياسية حقيقية ومبادرات دولية فعالة.
دعوة البابا ليو الرابع عشر تمثل صرخة ضمير عالمية في وجه العنف، وتذكيراً بأن الأمل بالسلام لا يزال ممكنًا إن توفرت الإرادة. لكن تحويل هذه الدعوة إلى واقع يتطلب تضافرًا دوليًا يتجاوز الخطابات إلى الفعل، حيث لا يمكن للسلام أن يكون "معجزة" إلا حين يصبح مشروعًا جماعيًا تشترك فيه الإنسانية كلها.