قمة القاهرة.. السيسي وعون يبحثان دعم استقرار لبنان والتنسيق الإقليمي لمواجهة التحديات المتصاعدة

في مشهد دبلوماسي يعكس تعقيدات الواقع الإقليمي وتداخل الأزمات، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الاثنين، نظيره اللبناني العماد جوزاف عون، في زيارة تحمل أبعادًا سياسية وأمنية بالغة الأهمية، في ضوء ما يشهده الشرق الأوسط من تطورات متسارعة، خاصة في لبنان، وقطاع غزة، وسوريا. وقد بدأت الزيارة بجلسة مغلقة جمعت الرئيسين، أعقبتها مباحثات موسعة شارك فيها وفدا البلدين، ناقشا خلالها سبل دعم الاستقرار الداخلي اللبناني، والتعاون المشترك من أجل استعادة الأمن الإقليمي، ووقف دوامة العنف المستمرة في غزة.
أولاً: دعم الاستقرار اللبناني.. شراكة سياسية وتنموية
تُعبر الزيارة عن حرص مصري واضح على استمرار دور القاهرة المحوري في دعم لبنان، لا سيما في مرحلة تعاني فيها الدولة اللبنانية من أزمات سياسية واقتصادية مركبة، وتواجه تحديات تتصل بالسيادة والاستقرار الداخلي. وقد أكد الرئيس السيسي خلال اللقاء، التزام مصر الثابت بدعم لبنان، ليس فقط على المستوى السياسي، بل من خلال مساهمات عملية في مجالات البنية التحتية والطاقة، وجهود إعادة الإعمار.
وفي سياق متصل، أشار المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، إلى أن المحادثات تناولت بوضوح الدعم المصري الكامل لسيادة لبنان على أراضيه، ورفض القاهرة القاطع لأي تدخلات أو انتهاكات إسرائيلية تمس الأرض اللبنانية أو تنتهك القرار الدولي رقم 1701.
ثانياً: السيسي يهاجم السياسات الإسرائيلية ويدعو لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية
وفي موقف يحمل دلالات سياسية عميقة، انتقد السيسي صراحة "الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة ضد الأراضي اللبنانية"، وعبّر عن رفض مصر لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من لبنان، في إشارة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. كما أكد الرئيس المصري أن مصر تواصل بذل جهود حثيثة على المستويين الإقليمي والدولي، من أجل دفع إسرائيل إلى الانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي اللبنانية المحتلة، والالتزام التام بوقف الأعمال العدائية، بما يفتح المجال أمام الدولة اللبنانية لبسط سيادتها الكاملة، خصوصاً جنوب نهر الليطاني، حيث تتواجد قوات "اليونيفيل" الدولية.
هذا الطرح يعكس إصرارًا مصريًا على دعم لبنان، ليس فقط عبر التصريحات، بل من خلال الضغط الفعلي لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، بما ينهي حالة الغموض العسكري على الحدود الجنوبية، ويعزز دور الجيش اللبناني كقوة شرعية وحيدة على الأرض.
ثالثاً: غزة.. المأساة المستمرة وتنسيق المواقف المصرية-اللبنانية
المباحثات بين السيسي وعون لم تغفل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، إذ اتفق الطرفان على ضرورة وقف العدوان فورًا، واستئناف العمل باتفاق وقف إطلاق النار، والإفراج عن جميع الأسرى والرهائن، في خطوة تؤسس لاستعادة الهدوء وفتح المجال أمام دخول المساعدات الإنسانية العاجلة.
الموقفان المصري واللبناني كانا منسجمين تمامًا فيما يتعلق برفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، أو التهجير القسري لسكان غزة، مؤكدين أن الحل الوحيد لضمان السلام العادل والدائم في المنطقة هو تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، ضمن حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
السيسي في هذا السياق، لم يكتف بالطرح السياسي، بل دعا المجتمع الدولي والهيئات المانحة إلى لعب دور أكبر في دعم جهود إعادة إعمار غزة، دون شروط أو هندسة ديمغرافية تخالف القانون الدولي، ما يعكس استمرارية النهج المصري في دعم فلسطين سياسيًا وإنسانيًا.
رابعاً: الملف السوري.. لا للطائفية والتقسيم
وامتدت المباحثات لتشمل الملف السوري، حيث أعرب الرئيسان عن دعمهما للشعب السوري، ورفضهما القاطع لأي سيناريوهات تقسيم أو طائفية. وشددا على أهمية أن تكون العملية السياسية في سوريا شاملة وغير إقصائية خلال الفترة الانتقالية، ما يعني ضرورة انخراط جميع الأطراف السورية في حوار وطني حقيقي يفضي إلى حل دائم.
وفي ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، أكد الجانبان إدانتهما لهذه الهجمات التي تشكل انتهاكًا لسيادة سوريا، وطالبا بوقفها فورًا، وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي السورية المحتلة، في إشارة واضحة إلى الجولان المحتل.