الجمود النووي الإيراني.. رسائل الشك من خامنئي وظلال التصعيد الأميركي

في لحظة سياسية بالغة الحساسية، أطلق المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تصريحات تعكس تشككًا واضحًا إزاء مستقبل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، ما يلقي بظلال ثقيلة على أي أمل في تقدم ملموس في هذا الملف المتأزم. فخلال كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، قال خامنئي بوضوح: «لا أعتقد أن المحادثات النووية مع الولايات المتحدة ستؤدي إلى نتائج. لا أعلم». هذه العبارة، رغم بساطتها، تحمل دلالات استراتيجية عميقة، إذ تعكس تحفظات المؤسسة السياسية العليا في إيران على المسار التفاوضي برمّته، وربما تمهد لإعادة تقييم داخلية لمسار الانخراط في المفاوضات.
من جهة أخرى، كشفت وكالة "نور نيوز" المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني، عن أن طهران تلقت بالفعل مقترحًا أميركيًا لعقد جولة خامسة من المحادثات، وأن نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي صرح بأن المقترح يخضع للدراسة حاليًا. هذا التباين بين تصريحات خامنئي وتحركات وزارة الخارجية يعكس مجددًا الانقسام الواضح بين الخط المتشدد المحافظ الذي يقوده المرشد، والجناح الدبلوماسي الذي لا يزال يترك باب العودة إلى المفاوضات مواربًا.
ضغوط أمريكية
التطورات الأخيرة جاءت بعد تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب دعا فيها طهران إلى "التحرك بسرعة" في المفاوضات، ما يعيد إلى الواجهة الطابع الضاغط والخطابي الذي يميز السياسة الأميركية تجاه إيران، حتى بعد مغادرته منصبه. تصريحات ترامب هذه يمكن فهمها ضمن إطار محاولات داخلية للتأثير على إدارة بايدن، أو حتى لإبقاء طهران تحت ضغط متواصل.
هذا السياق المتوتر يعكس تعقيد المشهد النووي الإيراني الذي لا تحكمه فقط الحسابات الدبلوماسية، بل يتداخل فيه ما هو أمني واستراتيجي وعقائدي. فتشكك خامنئي لا ينبع فقط من عدم الثقة بالجانب الأميركي، بل من تجربة طويلة ترى فيها القيادة الإيرانية أن واشنطن اعتادت النكوص عن التزاماتها، كما حدث بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018.
من جهة أخرى، فإن مطالبة واشنطن بعودة سريعة للمفاوضات، دون تقديم ضمانات حقيقية لرفع العقوبات أو التراجع عن سياسة "الضغط الأقصى"، يجعل طهران أكثر حذرًا، خاصة في ظل التوتر الإقليمي المتصاعد، والصراع المفتوح على عدة جبهات بين إيران وحلفاء واشنطن في المنطقة.
من المؤكد أن تصريحات خامنئي ليست مجرد تقييم شخصي، بل مؤشر على توجه قد يزداد تصلبًا في الموقف الإيراني، ويصعّب فرص التقدم في المحادثات المستقبلية. وبين الدعوات الأميركية المتسارعة، والتريث الإيراني المحكوم بالحذر الاستراتيجي، يبقى ملف الاتفاق النووي معلقًا في ميزان الشكوك، ينتظر تغيرًا فعليًا في الحسابات، أو مبادرة كبرى تخرج الجميع من نفق الجمود الحالي.