اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

غزة تموت.. تصاعد الأزمة الإنسانية وتكثيف الضغوط الدولية على إسرائيل

غزة
محمود المصري -

في مشهد يتكرر لكنه يزداد قتامة مع مرور الأيام، تتصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وسط استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية، والقيود الصارمة على دخول المساعدات. وفي ظل هذا الواقع الكارثي، تعالت الأصوات الدولية، ولا سيما الأوروبية، محذرة من تبعات استمرار الوضع الحالي، الذي بات يشكل تهديدًا مباشرًا ليس فقط لحياة المدنيين، بل لاستقرار المنطقة برمتها.
الموقف الفرنسي.. بين الإدانة والتحرك الدبلوماسي
وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، خرج بتصريح لافت عبر إذاعة «فرانس إنتر»، أكد فيه أن الخطوات التي اتخذتها إسرائيل لتسهيل وصول المساعدات إلى غزة غير كافية على الإطلاق، مشددًا على ضرورة "مساعدات فورية وضخمة" لا تعوقها أي عراقيل. هذا الموقف يُعتبر تصعيدًا دبلوماسيًا واضحًا في لهجة باريس تجاه إسرائيل، ويعكس تزايد القلق الأوروبي من حجم الكارثة الإنسانية في القطاع.
الأكثر أهمية في تصريحات بارو كان دعوته إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهي خطوة تُعدّ سابقة دبلوماسية خطيرة، وتفتح الباب أمام إمكانية فرض إجراءات عقابية على إسرائيل إن تبيّن أنها تخرق التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان. ويُفهم من هذا التصريح أن فرنسا لم تعد تكتفي بإصدار بيانات الشجب، بل تتجه نحو استخدام أدوات قانونية واقتصادية لمساءلة إسرائيل عن تصرفاتها.
تحركات دولية متوازية.. العقوبات على الطاولة
بالتوازي مع الموقف الفرنسي، جاء بيان مشترك من زعماء بريطانيا وكندا وفرنسا يلوّح بفرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت في هجومها العسكري الجديد وواصلت تضييقها على دخول المساعدات. هذا التهديد العلني – الذي لا يصدر عادة إلا في الحالات القصوى – يمثل منعطفًا واضحًا في السياسات الغربية التقليدية الداعمة لإسرائيل، ويدل على تحول تدريجي في ميزان الخطاب الدولي نحو تحميل تل أبيب مسؤولية مباشرة عن تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة.
الواقع على الأرض.. مجازر ودمار متواصل
على الأرض، المشهد أكثر قسوة من كل التصريحات. فقد أعلن الدفاع المدني الفلسطيني اليوم عن مجزرة جديدة راح ضحيتها 44 شهيدًا، معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة غارات جوية استهدفت مناطق متفرقة في القطاع، من بينها مخيم النصيرات حيث تم قصف محطة للوقود، ما أدى إلى سقوط 15 فردًا من عائلة واحدة هي عائلة نصار.
هذه المجازر المستمرة تضع العالم أمام حقيقة دامغة: غزة تشهد كارثة إنسانية متكاملة الأركان، لا يمكن مواجهتها بالتصريحات وحدها، بل تتطلب تدخلاً دوليًا عاجلاً وفعّالًا.
بين النداءات والواقع.. أزمة تفاقم الثقة
المعضلة الحقيقية أن كل هذه التصريحات الدولية تصطدم بجدار من الجمود السياسي وعدم تنفيذ القرارات. فلا المبادرات السابقة للتهدئة أنتجت حلاً دائمًا، ولا الضغوط المستجدة أثمرت حتى الآن عن تغيير جوهري في سلوك إسرائيل تجاه المدنيين أو المساعدات.
وبينما تُفجّر كل قذيفة مأساة جديدة، تزداد الفجوة بين الشعارات والواقع، ما يُضعف ثقة الشعوب المتضررة في فاعلية المجتمع الدولي، ويزيد من حالة الغضب الشعبي تجاه ما يُنظر إليه كمواقف انتقائية أو بطيئة لا ترتقي إلى حجم الكارثة.
بين النار والصمت
إن قطاع غزة لم يعد مجرد جغرافيا مشتعلة، بل مرآة تعكس صراعًا بين القيم المعلنة والمواقف العملية. والمطلوب اليوم ليس فقط إدانات لفظية، بل إجراءات ملموسة، وضغوط سياسية حقيقية توقف النزيف، وتعيد الاعتبار للعدالة والإنسانية. فغزة لا تطلب المستحيل، بل تطلب أن تُرى، أن تُسمع، وأن يُحترم حق أبنائها في الحياة.