بين نسور السماء وآفاق التنمية.. قراءة تحليلية في دلالات زيارة الرئيس الصيني المرتقبة إلى مصر

تمثل الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى مصر محطة محورية في مسار العلاقات المصرية الصينية، ليس فقط لكونها تأتي في توقيت دقيق إقليميًا ودوليًا، بل لأنها تعكس رغبة متبادلة في الارتقاء بالتعاون الثنائي إلى مستوى أكثر شمولًا واستراتيجية.
1. أبعاد التوقيت: بين المناورات الجوية والزخم الجيوسياسي
تأتي هذه الزيارة في أعقاب تنفيذ أول مناورات جوية مشتركة بين مصر والصين تحت مسمى "نسور الحضارة 2025"، والتي شكّلت تحولًا لافتًا في مستوى التعاون العسكري بين البلدين. لم تكن هذه التدريبات مجرد حدث رمزي، بل حملت رسائل استراتيجية متعددة الأبعاد، من بينها:
-
تعميق الثقة العسكرية وبناء نموذج تكاملي في العمليات الجوية.
-
التموضع المشترك في بيئة دولية تتزايد فيها الاستقطابات، مع تأكيد البلدين على مبدأ السيادة وعدم التدخل.
-
رسالة ضمنية للقوى الدولية بأن الصين تنظر إلى مصر ليس فقط كشريك اقتصادي بل كمحور إقليمي في أمن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
2. الشراكة الاستراتيجية الشاملة: من الخطاب إلى التمكين العملي
منذ إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين القاهرة وبكين قبل نحو عقد من الزمان، تطورت العلاقات الثنائية من كونها ذات طابع اقتصادي إلى نموذج متعدد الأوجه يشمل:
-
البنية التحتية والتنمية: بمشاركة صينية واسعة في مشاريع مثل القطار الكهربائي ومنطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية.
-
نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعات: مع إشارة صريحة من الجانب المصري لرغبة في جذب استثمارات في مجالات كصناعة السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة.
-
التعاون الثقافي والسياحي: بدعم متبادل لإحياء التراث وتسهيل تدفق السياح، بما يعزز التفاهم بين الشعبين.
3. استثمار الزخم الإفريقي: الصين وإعادة تعريف دور مصر القاري
في ضوء تعهدات الصين بضخ 52 مليار دولار في القارة الإفريقية، تعكس تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي طموحًا واضحًا بأن تتحول مصر إلى مركز رئيسي لاستقبال وتدوير هذه الاستثمارات داخل القارة. مصر لا تقدم نفسها فقط كسوق مستهلكة، بل كـ منصة استراتيجية تُمكّن الشركات الصينية من النفاذ إلى أسواق إفريقيا والشرق الأوسط.
4. مصر كجسر إلى النظام العالمي الجديد: من “BRICS” إلى تعددية الأقطاب
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، يبدو أن مصر والصين تتشاركان رؤى متقاربة تجاه إعادة تشكيل النظام الدولي. فمشاركة مصر في مجموعة "بريكس"، وتطلعها لتعميق التعاون داخلها، يعزز من التقاطع السياسي والاقتصادي بين البلدين في ملفات كبرى تشمل:
-
الإصلاح المالي العالمي.
-
خلق بدائل مستقلة للمؤسسات الغربية التقليدية.
-
بناء شبكات إقليمية تُعزز السيادة الوطنية وتكسر الهيمنة الاقتصادية الواحدة.
5. رسائل السيادة والدعم المتبادل: التقاء المبادئ والمصالح
كان لافتًا تأكيد مدبولي على التمسك بمبدأ "الصين الواحدة"، وهو موقف يتجاوز المجاملة الدبلوماسية، ليؤسس لنوع من التحالف الرمزي والسياسي القائم على احترام السيادة ومناهضة التدخلات الخارجية. في المقابل، تعكس تصريحات الجانب الصيني تقديرًا للدور المصري وتفهمًا لحساسيات القاهرة الإقليمية، ما يضفي على العلاقة بعدًا من الدعم السياسي المتبادل.
6. البعد الثقافي والناعم: من السياسة إلى الذاكرة المشتركة
أبرزت الزيارة الأخيرة لعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، لي شو لي، اهتمامًا صينيًا متزايدًا بالجوانب الثقافية والحضارية للعلاقة، عبر:
-
الدعوة لتكثيف التبادل الثقافي والإعلامي.
-
إشادة بالحفاظ على التراث المعماري المصري.
-
دعم السياحة الصينية لمصر، بما يعكس إدراكًا لدور "القوة الناعمة" في بناء شراكات طويلة المدى.
7. تقدير متبادل للمنجزات الوطنية
أثنى الوفد الصيني على التقدم المصري في مختلف المسارات، معتبرًا ما تحقق في مصر خلال العقد الماضي تحولًا لافتًا، يعكس قدرة على استعادة الدور الإقليمي وبناء نموذج وطني مستقل، وهو خطاب يتقاطع مع الرؤية الصينية القائمة على احترام النماذج الوطنية الخاصة بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
زيارة تبني على الأرضية وتحلّق بالأفق
الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني إلى القاهرة ليست مجرد محطة بروتوكولية، بل تُعد ترجمة عملية لتحول في فلسفة العلاقات الدولية بين البلدين، تتجاوز منطق المصلحة الضيقة إلى بناء نموذج تعاوني متعدد الأبعاد، يربط بين الاقتصاد والدفاع، والثقافة والسيادة، والتاريخ والمستقبل.
في ضوء ذلك، فإن مصر والصين تتحركان بثقة نحو مرحلة جديدة من الشراكة، تتسم بالندية، والتكامل، والواقعية، في عالم يتغير موازينه بسرعة.