المقابر الجماعية في الصالحة.. جريمة صامتة تكشف فصولاً مرعبة من النزاع السوداني

في تطور خطير يعكس تصاعد الانتهاكات الإنسانية في السودان، أعلنت القوات المسلحة السودانية، يوم الخميس، عن اكتشاف مقابر جماعية تضم جثامين مئات المدنيين في منطقة الصالحة، الواقعة جنوب مدينة أم درمان، غربي العاصمة الخرطوم. هذا الإعلان يكشف عن حجم الجرائم المرتكبة خلال النزاع المستمر بين الجيش السوداني و ميليشيا الدعم السريع، و يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات أخلاقية و قانونية متجددة.
ضحايا قوات الدعم السريع
البيان الصادر عن الجيش السوداني أشار إلى أن الضحايا الذين تم العثور عليهم في المقابر الجماعية كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع، و هي ميليشيا شبه عسكرية ترتبط بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، و تتهمها جهات حقوقية دولية بارتكاب انتهاكات ممنهجة منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023.
قوات الدعم السريع تستخدم المدنيين كدروع بشرية
الجيش أوضح أنه تمكن من تحرير 648 مدنيًا كانوا محتجزين في إحدى المدارس التي حولتها الميليشيا إلى موقع اعتقال، يفتقر لأبسط مقومات الإنسانية. و وفقًا للبيان، استخدمت قوات الدعم السريع المعتقلين كدروع بشرية، و أخضعتهم لظروف مأساوية، تميزت بانعدام الغذاء والرعاية الصحية، ما أدى إلى وفاة 465 شخصًا منهم نتيجة الإهمال الحاد. و تم دفن هؤلاء في مقابر جماعية ضمت بعضها أكثر من 27 جثة.
ويؤكد الجيش أن غالبية الضحايا تم اختطافهم من منازلهم دون سند قانوني، ما يشير إلى نهج ممنهج في الاعتقال التعسفي و الإخفاء القسري، و هي جرائم ترقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي.
تطهير ولاية الخرطوم
هذا الكشف جاء بعد إعلان الجيش السوداني، قبل يومين فقط، عن "اكتمال تطهير ولاية الخرطوم من عناصر الدعم السريع"، في تطور ميداني يُرجح أنه سمح بكشف هذه الجرائم التي ظلت طي الكتمان لشهور. و هو ما يثير تساؤلات عن حجم الجرائم التي لم يُكشف عنها بعد في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الميليشيات.
تفاقم الوضع الإنساني
الوقائع المعلنة تمثل تحذيرًا صارخًا من تفاقم الوضع الإنساني، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لتدخل أممي عاجل، سواء للتحقيق في جرائم الحرب المحتملة، أو لتأمين حياة المدنيين العالقين في مناطق الصراع. كما تفتح هذه الفاجعة الباب أمام مطالبات واسعة لمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم، وإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
في ظل هذه المستجدات، تبرز مجددًا هشاشة الوضع الأمني والإنساني في السودان، وسط غياب واضح لأي تسوية سياسية شاملة، و استمرار الصراع بين قوتين مسلحتين تتنازعان السلطة على حساب دماء المدنيين.