اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

ليبيا في ورطة.. قراءة تحليلية للأحداث وتقاطعات النفوذ الأميركي التركي البريطاني

ليبيا
محمود المصري -

تشهد ليبيا منذ مطلع عام 2025 تحولات سياسية وأمنية عاصفة، تكشف بوضوح عن تصاعد التدخلات الدولية، ولا سيما الأميركية والبريطانية والتركية، في محاولة لإعادة صياغة المشهد الأمني في الغرب الليبي، وتأمين مصالح استراتيجية مرتبطة بثروات النفط والغاز، وموقع البلاد في معادلة الأمن الإقليمي.

1. القرار الأممي: شرعنة التدخل الغربي وتقنين التسلح

شكّل قرار مجلس الأمن في يناير 2025 نقطة تحول مركزية، إذ استجاب لطلب المجلس الرئاسي الليبي بالسماح باستثناءات من حظر الأسلحة، تحت غطاء "دعم توحيد المؤسسة العسكرية"، وهو ما فتح الباب أمام دخول الطائرات والسفن العسكرية والمعدات والتدريبات الأجنبية، مع السماح باستثمار أموال مجمدة، دون رفع التجميد.
القرار حمل بصمة بريطانية واضحة، وجاء كتمهيد لتكثيف التدخل الأمني في طرابلس، وهو ما تأكد من خلال الزيارات المتتالية لوفود عسكرية بريطانية وأميركية.

2. البصمة الغربية على هندسة القوة المشتركة

زيارة فريق أفريكوم إلى طرابلس ثم بنغازي، وطلبهم من اللجنة العسكرية 5+5 ترشيح قيادة لقوة مشتركة، يشير إلى سعي واشنطن لإعادة هيكلة القوى الأمنية عبر قيادة هجينة تخضع للتدريب الأميركي، ومهمتها مكافحة الإرهاب وحماية منشآت الطاقة، دون الدخول في اشتباكات مباشرة، بما يخدم مصالح واشنطن دون التورط في حرب أهلية مفتوحة.

3. خيوط الطاقة تشدّ التحالفات والميليشيات

ما كشفته وحدة أبحاث الطاقة الأميركية في مارس حول 19 حقل نفط وغاز كبير، وعلى رأسها المربع البحري OH13 في حوض صبراتة، وضع طرابلس في قلب صراع محموم بين الشركات الكبرى والدول الطامعة في الثروات. لكن السيطرة الفعلية على هذه المناطق الحيوية بيد ميليشيات عبد الغني الككلي، المعروفة بعلاقاتها المعقدة مع المجلس الرئاسي.
فلم يكن ممكنًا استغلال الثروات دون "موافقة الككلي"، مما جعل تصفيته لاحقًا حلقة حتمية في سيناريو فرض السيطرة الكاملة على العاصمة.

4. تصفية الككلي: نقطة التحول في معادلة القوى

اغتيال الككلي في 11 مايو خلال كمين محكم أثناء لقاء تسوية أزمة الاتصالات، كان بداية انفجار التوازن الهش داخل العاصمة. القرار لم يكن ليتم دون ضوء أخضر من الدبيبة وأنقرة، بهدف إعادة رسم خريطة النفوذ، وتفكيك الأجهزة الأمنية غير الخاضعة مباشرة للحكومة، وبالأخص "جهاز دعم الاستقرار" التابع للككلي.

5. اشتباك الأجهزة وتفكك الشرعيات

مع استهداف الككلي، توترت العلاقة مع "جهاز الردع" بقيادة عبد الرؤوف كارة، الذي رفض حلّه واطمأن إلى مظلته السياسية تحت رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي. هذا التباين أشعل اشتباكات عنيفة، دفعت المنفي إلى تجميد قرارات الدبيبة العسكرية، ما فجّر الصراع العلني على السلطة بين الرجلين، وتحول إلى صدام دموي بين ميليشيات متناحرة أضاعت ما تبقى من أمن العاصمة.

6. الغضب الشعبي والتفكك السياسي

مع تصاعد العنف وانقطاع الخدمات، خرجت مظاهرات واسعة تهاجم الحكومة وتطالب بإسقاط الدبيبة، ما دفع العديد من الوزراء والمسؤولين إلى الاستقالة، في مؤشر على انهيار هيكل الشرعية السياسية في طرابلس.
أما الحديث عن خطة أميركية لتوطين مليون فلسطيني من غزة في ليبيا، والذي كشفت عنه قناة NBC، فقد صبّ الزيت على النار، وأثار سخطًا شعبيًا وسياسيًا عارمًا، أجبر رموز الحكومة على التنحي، خشية الغضب الجماهيري المتصاعد.

7. في الأفق: حكومة تكنوقراط؟ أم فوضى أوسع؟

ردًا على حالة الانهيار، اقترح رئيس البرلمان عقيلة صالح تشكيل حكومة موحدة برئاسة النائب العام الصديق الصور، وهو ما رفضه جناح الدبيبة ومجلس الدولة. إلا أن الدعوات الشعبية لحل كافة الأجسام السياسية، بما فيها حكومة الدبيبة، تعكس غليانًا قد يفرض معادلة جديدة.

في المقابل، تحرك رؤساء البلديات مطالبين بتشكيل حكومة تسيير أعمال مؤقتة تدير البلاد تمهيدًا للانتخابات، في محاولة لتجاوز حالة الانقسام الدستوري والمؤسساتي.

8. خريطة المصالح الكبرى: واشنطن وأنقرة في مواجهة موسكو

التحركات الأميركية التركية جاءت في سياق مواجهة النفوذ الروسي المتجدد في شرق ليبيا، حيث تبني موسكو تموضعًا بديلاً لتقليص حضورها في سوريا.
مطار معيتيقة وميناء طرابلس تحولا إلى نقاط صراع استراتيجي، مع تطلع أنقرة لاستخدامها كنقاط ارتكاز عسكرية ولوجستية، بما يحول ليبيا إلى منصة ضغط إقليمي واستثمار استراتيجي في الطاقة.