تحالف أنقرة-إسلام آباد.. رسائل سياسية واقتصادية وسط عاصفة التوتر مع نيودلهي

في توقيت بالغ الدقة تشهده العلاقات الإقليمية، استضافت مدينة إسطنبول لقاءً ثنائياً مهماً بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، وسط تصعيد دبلوماسي متزايد بين تركيا والهند، تُرجم على الأرض بحملات مقاطعة هندية موسعة ضد المنتجات والخدمات التركية.
اللقاء الذي وصفه أردوغان بـ"المثمر للغاية"، لم يكن اجتماعاً بروتوكولياً فحسب، بل حمل أبعاداً سياسية واستراتيجية لافتة، خاصة في ظل تأكيد الطرفين على تعميق الشراكة بين أنقرة وإسلام آباد في مجالات الاقتصاد والدفاع والأمن والتكنولوجيا. وأوضح أردوغان عبر منصة "إكس" أن اللقاء ركّز على ملفات محورية، أبرزها التبادل التجاري، وتعزيز الخط السككي "إسطنبول – طهران – إسلام آباد"، وتنسيق الجهود في مكافحة الإرهاب.
كما شدد الزعيمان على ضرورة تعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني، والتوسع في التعاون التعليمي والتكنولوجي، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية حساسة. البيان التركي لم يُخفِ نية أنقرة في الوصول إلى حجم تبادل تجاري يبلغ 5 مليارات دولار، فيما أشار شريف إلى أهمية التعاون في قطاعات واعدة كالدفاع والطاقة المتجددة والزراعة، مؤكدًا امتنانه لموقف تركيا "المبدئي والثابت" تجاه باكستان في صراعاتها الإقليمية.
تحالف أمني وعسكري ممتد
الحضور اللافت لوزراء الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات التركي إلى جانب الاجتماع، يؤكد أن ما دار لم يكن لقاء مجاملة، بل مراجعة استراتيجية لعلاقة ثنائية تتجاوز البعد الاقتصادي إلى صياغة تحالف أمني وعسكري ممتد.
في المقابل، يبدو أن هذا التقارب التركي الباكستاني جاء على حساب العلاقات المتأرجحة بين أنقرة ونيودلهي. فقد أثار الدعم التركي العلني لباكستان خلال تصعيدها الأخير مع الهند في إقليم كشمير موجة غضب داخل الأوساط السياسية والإعلامية الهندية، مما دفع منصات التجارة الإلكترونية الكبرى في الهند إلى سحب المنتجات التركية، وامتدّت المقاطعة لتشمل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، في مؤشر على تصعيد متعدد الأوجه.
مقاطعة المنتجات التركية، التي شملت قطاع النسيج والسياحة، ليست سوى وجه من وجوه التأزم، إذ ألغت جامعات هندية بارزة شراكاتها الأكاديمية مع نظيراتها التركية، في تصعيد ثقافي موازٍ للموقف السياسي. جامعة جواهر لال نهرو، وغيرها، أعلنت وقف علاقاتها مع أكثر من 23 جامعة تركية وأذربيجانية، بما يؤشر إلى انزلاق الأزمة إلى مستوى غير مسبوق في العلاقات التركية الهندية.
توترات متكررة
السياق الإقليمي لهذا التصعيد لا يمكن فصله عن التوترات المتكررة بين الهند وباكستان، إذ شهدت كشمير هذا الشهر أعنف المواجهات منذ عقدين، ما أعاد التوتر بين الجارتين النوويتين إلى واجهة المشهد. وفي خضم هذه التطورات، تحاول أنقرة تعزيز موقعها كحليف لباكستان، ما قد يُعيد رسم التحالفات في جنوب آسيا، ويفتح الباب أمام المزيد من الاستقطاب بين القوى الإقليمية.
تبدو تركيا عازمة على تمتين الجسور مع إسلام آباد، رغم الكلفة المحتملة على علاقاتها مع نيودلهي، مما يطرح تساؤلات حول توازن أنقرة في سياستها الخارجية، وقدرتها على لعب دور الوسيط في منطقة تمور تحت الرماد.