اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

صندوق النقد الدولي: سياسات ترامب التجارية أشد وطأة على الأسواق الناشئة من «كوفيد»

النائبة الأولى للمديرة العامة للصندوق جيتا جوبيناث خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات
خالد الحويطي -

حذرتْ مسؤولة بارزة في صندوق النقد الدولي من أن الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمثل تحدياً أصعب لصناع السياسات في الأسواق الناشئة مقارنة بأزمة «كوفيد - 19» قبل 5 سنوات.

وقالت النائبة الأولى للمدير العام للصندوق، جيتا جوبيناث، لصحيفة «فاينانشال تايمز»، إن التأثير غير المتوقع للرسوم الجمركية على الاقتصادات النامية والأسواق العالمية سيجعل من الصعب بشكل خاص على محافظي البنوك المركزية دعم اقتصادات بلادهم.

تباين الاستجابات السياسية يفاقم التحدي

وأوضحت جوبيناث أنه في المراحل الأولى من الجائحة، «كانت البنوك المركزية في كل مكان تتحرك في الاتجاه نفسه، بمعنى تخفيف السياسة النقدية بسرعة كبيرة، ولكن هذه المرة الصدمة لها آثار مختلفة». وأضافت: «هذه المرة، سيكون التحدي أكبر بالنسبة لهم مقارنة بالجائحة».

ويشير صناع السياسات في الاحتياطي الفيدرالي إلى أنهم غير مستعدين لخفض أسعار الفائدة حتى يتأكدوا من أن الرسوم لن تؤجج التضخم بشكل أكبر. ومع ذلك، بالنسبة للأسواق الناشئة التي تواجه حواجز تجارية أمريكية أعلى، يبدو الوضع «أشبه بصدمة طلب»، مما يعني تباطؤ التضخم والنمو، وفقاً لجوبيناث.

تداعيات على الأوضاع المالية العالمية

يتناقض هذا الوضع مع بداية الجائحة، عندما خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة أو أعلنت برامج شراء السندات في محاولة للمساعدة في استعادة النمو في كل من الدول الغنية وذات الدخل المتوسط.

وقالت جوبيناث: «عندما يكون لدينا هذا النوع من التباعد، فقد ينتهي بنا المطاف إلى تشديد الأوضاع المالية العالمية، والأسواق الناشئة حساسة بشكل خاص لمثل هذه التغييرات في الأسواق العالمية».

وقد انتعشت عملات وأسهم الأسواق الناشئة إلى حد كبير في الشهرين اللذين أعقبا إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية «متبادلة»، حيث راهن المستثمرون على أن البنوك المركزية ستكون حرة إلى حد كبير في تحفيز اقتصاداتها على الرغم من المخاطر المتمثلة في أن ارتفاع أسعار الفائدة في البلدان المتقدمة قد يجذب رأس المال بعيداً عنها.

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا (من اليسار) ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد وجوبيناث في اجتماعات مجموعة السبع في كندا

تحذيرات من تقلبات التدفقات الرأسمالية

ارتفع مؤشر «MSCI» للأسواق الناشئة، باستثناء الصين، الهدف الرئيسي لحرب ترامب التجارية، بنحو 20 في المائة منذ أدنى مستوى له بعد «يوم التحرير» في 2 أبريل (نيسان). وقد ارتفع البيزو المكسيكي والوون الكوري والراند الجنوب أفريقي بأكثر من 5 في المائة على أساس فوري، حيث هرب المستثمرون من الدولار الأمريكي خلال الفترة نفسها.

لكن تقريراً صادراً عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الأسبوع حذّر من «ارتفاع خطر تدفقات رأس المال المُزعزعة للاستقرار في اقتصادات الأسواق الناشئة». وقد ارتفعت قيمة العديد من عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار الأمريكي مع تقليص المستثمرين لتعاملاتهم مع الولايات المتحدة، إلا أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومقرها باريس، أشارت في أحدث توقعاتها الاقتصادية إلى أن الوضع لا يزال متقلباً.

وخلص التقرير إلى أن «العديد من الأسواق الناشئة معرضة لخطر تدفقات رأس المال إلى الخارج إذا تدهورت الآفاق الاقتصادية النسبية ومعنويات المخاطرة العالمية، مما قد يؤدي إلى ضغوط انخفاض قيمة العملة وارتفاع تكاليف التمويل».

مخاطر «الإبحار في الضباب»

وقالت جوبيناث إن الأسواق الناشئة «تتحرك وسط الضباب» نظراً لتقلبات سياسة ترامب التجارية، مما يزيد الوضع خطورة.

اتفق كل من الولايات المتحدة والصين الشهر الماضي على خفض الرسوم الجمركية مؤقتاً بعد محادثات في جنيف، لكن ترامب اتهم بكين لاحقاً بانتهاك الهدنة. ويوم الجمعة، قال في تجمع حاشد في ويست ميفلين، بنسلفانيا، إنه سيضاعف الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم إلى 50 في المائة، في تصعيد جديد لحربه التجارية العالمية.

وحذر خبراء اقتصاديون من تأثير الرسوم الجمركية وانخفاض الطلب الأمريكي على الأسواق الناشئة، بالنظر إلى أن أسعار الفائدة الأمريكية وتكاليف الاقتراض طويلة الأجل لا تزال ليست بعيدة عن ذروتها الأخيرة.

وقالت أليسيا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك «ناتيكس» الفرنسي: «تقليدياً، ضعف الدولار يعني صادرات أقل (للأسواق الناشئة)، ولكن تكاليف تمويل أرخص». وأضافت: «ولكن الآن لديك صادرات أضعف ولكن ليس تمويلاً أرخص لأن الطرف الطويل من منحنى السندات السيادية مرتفع للغاية».

وأشارت جوبيناث من جهتها إلى أن مرونة الاقتصادات النامية تتأثر أيضاً بالاعتماد على التدفقات المالية غير المصرفية والأهمية المتزايدة للعملات المشفرة كفئة أصول، وقالت: «إنها في مرحلة مبكرة نسبياً، لكننا نشهد بعض النمو السريع في اعتماد العملات المشفرة في بعض الأسواق الناشئة».

وأضافت: «إن الآثار المترتبة على الأسواق الناشئة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالعملات المستقرة من حيث خطر نزع الوساطة عن مؤسساتها المالية، ومن حيث استبدال العملة، فإن هذه المخاطر آخذة في الارتفاع».

ويخشى بعض الخبراء من أن يؤدي صعود العملات المستقرة المدعومة بالدولار والأصول إلى زعزعة استقرار عملات الأسواق الناشئة، حيث يمكن للمستثمرين المحليين اختيار نقل مدخراتهم من عملاتهم المحلية.

العوامل العالمية تتفوق على استقلالية البنوك المركزية

وقالت جوبيناث إن «البنوك المركزية في الأسواق الناشئة اكتسبت صدقية بمرور الوقت، وانتقل العديد منها إلى أطر استهداف التضخم»، مضيفةً أن هذا أمر إيجابي للغاية.

لكنها أضافت: «لا تزال العوامل العالمية هي المحركات الأكبر بالنسبة لها مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، وبالتالي عندما ندخل هذه البيئة التي نشهد فيها تحولات كبيرة في السياسة الاقتصادية العالمية، إلى جانب عدم اليقين، فإن هذا سيشكل تحدياً لها».