اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

سباق التسلح الإيراني من بوابة المواد الكيماوية الصينية

إيران
محمود المصري -

في توقيت دقيق يتقاطع مع مسار مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن تحركات إيرانية حثيثة لإعادة بناء قدراتها الصاروخية، من خلال طلب آلاف الأطنان من المواد الأساسية لتصنيع الصواريخ الباليستية من الصين، وعلى رأسها مادة بيركلورات الأمونيوم، وهي مركب كيميائي شديد الأهمية يُستخدم في تصنيع وقود الصواريخ الصلبة.
هذه الخطوة لا تنفصل عن شبكة متشابكة من التطورات الجيوسياسية، والعقوبات الأميركية، والتحالفات الإقليمية، وتكشف عن استراتيجية إيرانية متعددة الأوجه لتثبيت النفوذ العسكري والسياسي، ليس فقط داخل الحدود، بل عبر دعم أذرعها المسلحة في المنطقة مثل الحوثيين في اليمن وميليشيات في العراق.

من بيركلورات الأمونيوم إلى استراتيجية الردع


تشير المعلومات إلى أن الشحنات التي ستتسلمها إيران في الأشهر المقبلة تكفي لتغذية مئات الصواريخ الباليستية، في وقت يؤكد فيه مسؤولون أميركيون أن طهران تمتلك أحد أكبر برامج الصواريخ الباليستية في الشرق الأوسط.
ويُعدّ وقود الصواريخ الصلبة ميزة استراتيجية؛ لأنه يتيح إطلاقاً أسرع، وتحركاً أكثر مرونة، مقارنة بالصواريخ ذات الوقود السائل. وعليه، فإن استيراد إيران لهذه المادة بكميات ضخمة يعكس رغبة واضحة في تعزيز قدراتها للردع والمواجهة، سواء في ظل اشتداد الضغوط الدولية أو احتمالية التصعيد العسكري.

الأذرع الإقليمية.. تصدير القدرة لا الفائض


التحقيق أشار إلى أن جزءاً من هذه المواد، أو من الصواريخ المنتجة باستخدامها، قد يُحوّل إلى الميليشيات المتحالفة مع طهران، مثل الحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق. وسبق أن استخدمت هذه الجماعات صواريخ في هجمات استهدفت القوات الأميركية والإسرائيلية، ما يثير تساؤلات حول حدود مسؤولية إيران، ليس فقط كدولة ذات برنامج عسكري متطور، بل كفاعل إقليمي يستخدم "الإنابة العسكرية" كأداة ضغط.

بين بكين وطهران.. العلاقة الغامضة


بحسب الوثائق، فقد تقدمت شركة Pishgaman Tejarat Rafi Novin الإيرانية بطلبات استيراد إلى شركة Lion Commodities Holdings Ltd ومقرها هونغ كونغ، للحصول على المواد الكيميائية المطلوبة. ورغم نفي الصين الرسمي علمها بالصفقة، إلا أن الوقائع تكشف عن تسليم أكثر من 1000 طن من بيركلورات الصوديوم – وهي المادة الأولية لتصنيع بيركلورات الأمونيوم – إلى موانئ إيرانية في فبراير ومارس 2025، ما يعكس صعوبة التحقق من مدى التزام بكين بالرقابة على الصادرات ذات الاستخدام المزدوج.
وفي ظل تصاعد التوتر بين الصين والغرب، يصبح دعم الصين غير المباشر أو حتى المتساهل لإيران في هذا المجال مثار قلق عالمي، لأنه يهدد بإعادة تشكيل موازين القوة في منطقة مضطربة أصلاً.

العقوبات الأميركية.. كبح لا يكفي؟


ردّاً على هذه الأنشطة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على كيانات وشخصيات إيرانية وصينية متورطة في شراء أو توفير المواد المستخدمة في برنامج الصواريخ الإيراني. شملت العقوبات مواداً مثل بيركلورات الصوديوم وأسماء أفراد وكيانات من الصين وهونغ كونغ.
لكن فعالية هذه العقوبات تبقى محل تساؤل، خاصة أن المعلومات تشير إلى توقيع اتفاقات لتوريد المواد الكيميائية قبل بدء جولات الحوار السياسي الأخيرة، ما يسلط الضوء على أن إيران تمضي قدماً في برامجها، بغضّ النظر عن مخرجات المفاوضات.

فجوة التصنيع والانفجارات القاتلة


ورغم محاولات إيران تطوير قدراتها الإنتاجية محلياً، إلا أن تقارير عدة، من بينها تصريحات للمحلل العسكري فابيان هينز، أشارت إلى وجود "اختناقات" في الإنتاج المحلي، مما يضطرها إلى الاستيراد من الخارج.
ومع هذا الاعتماد، تتعاظم المخاطر. ففي أبريل الماضي، وقع انفجار مدمر في ميناء الشهيد رجائي، أحد أهم الموانئ التجارية في إيران، أودى بحياة العشرات، وتبيّن لاحقاً أنه نجم عن سوء التعامل مع مواد شديدة الانفجار من قبل وحدة تابعة لفيلق القدس.
هذه الحادثة تعزز المخاوف من تكرار سيناريوهات كارثية، خاصة في ظل غياب رقابة صارمة ومعايير سلامة صناعية موثوقة في المجمع الصناعي العسكري الإيراني.

تهديد مركّب يتجاوز الحدود


تكشف هذه التطورات عن تصعيد مزدوج: تعزيز داخلي لقدرات الردع الإيرانية، وامتداد خارجي لدعم الحلفاء عبر صفقات تهريب مدروسة. وفي كلا الحالتين، تتحرك إيران في مساحة رمادية قانونياً وسياسياً، مستفيدة من الثغرات في النظام الدولي لتجاوز القيود والعقوبات.
ويبقى الرهان الأكبر على كيفية تعامل المجتمع الدولي مع هذا التحدي. فهل تؤدي هذه المعطيات إلى تشديد إضافي للعقوبات؟ أم إلى تسريع وتيرة التفاوض، خشية أن تصل إيران إلى نقطة اللاعودة في قدراتها العسكرية؟
في ظل هذه المعادلة المعقدة، يتشكل من جديد مشهد إقليمي هش، عنوانه: "السباق على الصواريخ ومفاوضات على الحافة."