اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

حرب غزة تُنهك الجيش الإسرائيلي وتفاقم أزماته الداخلية

جيش الاحتلال
محمود المصري -

كشفت الحرب المستمرة في غزة، والتي اندلعت بوتيرة متكررة خلال العامين الماضيين، عن خلل هيكلي عميق في بنية الجاهزية القتالية للجيش الإسرائيلي، لا سيما على مستوى البنية اللوجستية والقدرة على صيانة واستبدال المعدات العسكرية. وفي ظل اتساع رقعة المواجهة مع استمرار العمليات على أكثر من جبهة (غزة، لبنان، وسوريا)، بات واضحًا أن المنظومة العسكرية الإسرائيلية تعاني من ضغوط متزايدة لم تكن مستعدة لتحملها على هذا النحو الطويل والمركّب.

وفق تقرير نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، يواجه الجيش أزمة متفاقمة في توفير قطع الغيار الأساسية لمعداته القتالية، وعلى رأسها الدبابات وناقلات الجند المدرعة من طراز "نمر"، إضافة إلى أعطال مستمرة في البنادق والمدافع الرشاشة وغيرها من الأسلحة الفردية والجماعية. هذه الأعطال، التي تتكرر على نحو مقلق، دفعت وحدات ميدانية إلى استخدام أسلحة غير موثوقة، ما يعرّض الجنود لمخاطر مباشرة في أرض المعركة.

شكاوى من القادة والجنود

تزايدت في الآونة الأخيرة شكاوى ضباط السرايا والكتائب بل وحتى قادة ألوية من الأعطال التقنية التي تضرب المعدات العسكرية، ما يشير إلى أزمة لا تقتصر على وحدات محددة بل تطال البنية الكلية للجيش النظامي. في اللواء السابع، على سبيل المثال، تحدث جنود عن نقص حاد في المكونات الأساسية للدبابات، مثل المحركات، والسلاسل، وأنظمة الدفع. وقد عجزت هيئة التكنولوجيا واللوجستيات عن تلبية هذا العجز، نتيجة لتآكل المعدات بسبب الاستخدام الكثيف وطول فترة التشغيل دون توقف.

ونقل التقرير عن أحد قادة الألوية قوله:

"نحن في حالة حرب منذ عامين، من غزة إلى لبنان وسوريا ثم غزة من جديد. لم يُعد أحد العدّة لحرب طويلة بهذا الشكل. كل قطعة في هذا النظام لها عمر افتراضي، ونحن الآن ندفع ثمن تجاهل هذا الواقع."

حادثة جباليا.. مثال على كلفة الأعطال

في واحدة من أكثر الحوادث المأساوية التي تسلط الضوء على تداعيات الأعطال الميدانية، أدى خلل فني في ناقلة جند مدرعة تابعة للواء "جفعاتي" إلى اندلاع حريق في أحد أحياء جباليا شمال غزة، نتيجة ارتفاع حرارة محرك الناقلة. وعلى إثر الحريق، تم استدعاء شاحنة إطفاء لتأمين الموقع، لكن الموكب الذي رافقها وقع في كمين نصبه مقاتلو حركة حماس، بواسطة عبوات ناسفة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة اثنين بجراح خطيرة.

هذه الحادثة ليست سوى نموذج لحجم المخاطر التي تنجم عن تآكل الجاهزية الفنية للمعدات، وغياب الاستعدادات اللوجستية لمواكبة حرب طويلة المدى.

خلل استراتيجي في تقدير طبيعة الصراع

في اعتراف نادر، أقرّ قائد اللواء السابع بأن الجيش الإسرائيلي وقع في خطأ استراتيجي مزدوج: سوء تقدير لطبيعة الصراع، وسوء بناء لقدراته القتالية. فبينما افترضت القيادات العسكرية أن المواجهات ستكون قصيرة وحاسمة، اتجهت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، إلى بناء استراتيجية قائمة على الاستنزاف المديد، واستغلال نقاط الضعف اللوجستية لدى الجيش الإسرائيلي.

تصريحه كان واضحًا: "لقد أخطأنا في تقدير الموقف. اعتقدنا أن الحرب ستكون قصيرة، لكن العدو بنى نفسه لحرب طويلة. لا يمكننا أن نتمسك فقط برغبة في الحسم السريع، بل علينا أيضًا أن نُعيد بناء استعداداتنا لحرب قد تطول."

انهيار في النموذج العسكري التقليدي؟

ما يثير القلق أكثر هو أن هذه الأزمة اللوجستية لا تعكس فقط خللاً ميدانيًا ظرفيًا، بل قد تكون مؤشرًا على تصدع أعمق في النموذج العسكري الإسرائيلي التقليدي، الذي بُني لعقود على فرضية التفوق التقني والحسم السريع. فالتحديات الجديدة، من حرب الأنفاق إلى الهجمات الصاروخية الكثيفة، ومن حرب الشوارع إلى الكمائن الذكية، تتطلب تحولات جذرية في العقيدة القتالية وسلسلة الإمداد والتصنيع.

كما أن الاعتماد الكبير على التكنولوجيا الغربية، في ظل قيود التصدير والضغوط السياسية المتزايدة، قد يجعل من صيانة المعدات أو تطوير البدائل المحلية أمرًا أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا.