اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الحوادث المتزايدة للطائرات تضع «بيونج» في مأزق

الطائرة المنكوبة للخطوط الهندية من طراز «بوينج» أضافت تعقيداً لوضع الشركة الأمريكية
خالد الحويطي -

في عالم محفوف بالمخاطر، ربما يتعين على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً أكثر حزماً للحفاظ على عملاق الدفاع، شركة «بيونج»، للمضي قدماً على المسار الصحيح.

كنت أتحدث إلى مصمم طائرات «بيونج 747» الأسطوري، جو سوتر، بعد فترة وجيزة من تحطم طائرة «نورث ويست دي سي-9» أثناء إقلاعها من ديترويت عام 1987، ما أسفر عن مقتل جميع ركابها باستثناء طفلة في الرابعة من عمرها.

كنا نتداول نتائج تحرير شركات الطيران، الذي لم يمضِ عليه عقد من الزمان آنذاك، وكحال العديد من الخبراء المخضرمين، كان سوتر منزعجاً من حالات الإفلاس الفوضوية، والشركات الناشئة الجديدة الغريبة، وحشود الباحثين عن صفقات في المطارات التي تشهد ازدحاماً.

وقد وصف سوتر طائرة «نورث ويست» النفاثة بأنها «مُنهكة»، حيث امتلأت جميع المقاعد، وحتى حوافها بأمتعة الركاب، لهذا فإنها لم تستطع البقاء في الجو، واتضح أن خطأً بسيطاً من الطاقم، وهو فشل في ضبط الجنيحات، سبب التحطم.

الخطوط الهندية

لم يتم التوصل بعد لسبب كارثة طائرة الخطوط الجوية الهندية، الخميس الماضي، لكن الطائرة كانت من طراز «بيونج»، وهذا يُضيف تعقيداً لوضع الشركة التي لاتزال تُحاول الخروج من مأزقها العميق والمظلم بسبب حادثتَي طائرتَي «737 ماكس» للخطوط الإثيوبية وخطوط «ليون إير» الإندونيسية.

و«بيونج» أكبر من أن تفشل كشركة مُصنِّعة لهياكل الطائرات التجارية، وأيضاً كمقاول رئيس في صناعة الدفاع، في الوقت الذي تنذر الطيور الصغيرة (الشركات الصغيرة) بحقبة جديدة في الصراع العالمي في هذا المجال.

في مارس الماضي، حصلت «بيونج» على عقد لتصنيع مقاتلة «إف-47» المتطورة الجديدة التابعة للقوات الجوية، وعبّر رئيسها التنفيذي عن استيائه من تلميحات بأنها «جائزة خيرية» لإعادة الشركة إلى وضعها الطبيعي.

لا بأس إن كان الأمر كذلك، لقد استشهدتُ مرةً في مقالٍ عن «بيونج»، بإرسال الرئيس الأمريكي الراحل، فرانكلين د.روزفلت، خبير «وول ستريت»، برنارد باروخ، لتنشيط القاعدة الصناعية الأمريكية مع اقتراب الحرب العالمية الثانية.

مشكلة أمريكية

تحطم طائرة الخطوط الهندية من طراز «بيونج» ستُمثّل مشكلة للإدارة الأمريكية أيضاً، ذلك أن تحطم هذه الطائرة يلقي ظلالاً من الشك حول سبب تحطم طائرة «ماكس» الثانية، التابعة للخطوط الجوية الإثيوبية، التي جاء تقرير الحادث بشأنها أنه «خطأ من الطيار»، وليس بسبب عيوب في تصميم الطائرة، لذا فإن هذا يُعدّ أمراً بالغ الأهمية هذه المرة.

كان ينبغي أن يكون هذا الأمر واضحاً في ذلك الوقت، وقد أطلعت «بيونج» مشغلي طائرات «ماكس» على كيفية تعويض عطل النظام الذي تسبب في حادث تحطم سابق لشركة «ليون إير» الإندونيسية. وفي هذا الخصوص، فإن تعليمات «بيونج» إما أن تكون خاطئة، وإما أن طاقم الطائرة الإثيوبية لم يتبع هذه التعليمات.

وللعلم، فإن الخطوط الجوية الإثيوبية شركة تشغيل ذات سمعة طيبة، أسسها الإمبراطور الإثيوبي السابق، هيلا سيلاسي، الذي ترك لبلاده قطاعاً عاماً كفؤاً، ومع ذلك وبصفتها المحقق الرئيس، تجاهلت الحكومة الإثيوبية أداء الطاقم، ما دفع المجلس الوطني لسلامة النقل الأمريكي وكذلك هيئة الطيران الفرنسية إلى تقديم رد غير مسبوق.

أدى الحادث الثاني إلى إغلاق سلسلة التوريد والإنتاج الأساسية لطائرات «بيونج 737»، ما أثر في القوى العاملة في «بيونج» وفي الصناعة، وأدى بالتالي إلى المزيد من المشكلات التي تؤثر الآن في القطاع بأكمله، في وقت يحاول فيه هذا القطاع الاستعداد لتلبية الطلب المتزايد بفضل الإنفاق الكبير على الأسلحة.

اعترفت «بيونج»، في الأغلب، بأخطائها، ونجت بصعوبة من الملاحقة الجنائية الأمريكية، ويبدو أنها تُعيد ترتيب بيتها الداخلي تحت قيادة كيلي أورتبرغ، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي منذ أغسطس الماضي.

ثغرات «السلامة»

في وسائل الإعلام الأمريكية، وفي الكتب والأفلام الوثائقية، يسود سرد مختلف: رأسمالية المساهمين هي المسؤولة عندما تتحطم الطائرات، لكن ليس عندما يهبط مليون شخص بسلام.

لم تُذكر تقريباً التفاصيل الدقيقة المثيرة للاهتمام للحادث الثاني لأنه قد يبدو بطريقة ما بمثابة إعفاء «بيونج» من المسؤولية. لقد رأينا الكثير من هذا أخيراً، فمسؤولية الشركة واضحة، ولكن أي شخص يهتم بسلامة الطيران (والحقيقة) يريد معرفة القصة كاملة.

من الواضح أن «الانتهازية» تتجلى في التفسيرات العديدة لثغرات «بيونج» المتعلقة بالسلامة، والتي انتشرت في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي: فقد كانت «بيونج» منشغلة للغاية بأهداف التنوع (كما يقول إيلون ماسك)، وركزت بشكل أقوى على الحد من نفوذ النقابات العمالية (كما يقول مؤيدو النقابات العمالية)، كما ركزت بشكل مفرط على أرباح المساهمين (كما تقول الرواية الصحافية).

إن اهتمام بيونج المفرط بالخيار (أ)، وعدم اهتمامها الكافي بالخيار (ب)، هو أمر لطالما كررته الشركة، لاسيما إذا كانت عائدات المساهمين والسلامة يرتبطان عكسياً.

تحدث الرئيس السابق جو بايدن عن ترسانة الديمقراطية ولم يفعل شيئاً يُذكر، أما دونالد ترامب، فيفقد بسرعة الغموض الذي كان من المفترض أن يُخيف أعداءنا. ولكن قد تكون هناك قريباً مهمة للحكومة الأمريكية تتمثّل في الدفاع عن عملية الإصلاح التي تقوم بها شركة «بيونج»، وتوجهها، إذا لم تكن قد قامت بالفعل بذلك خلال تعاقدها مع الشركة بشأن طائرات «إف-47».