اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

خريطة مرعبة.. 9585 رأسًا نوويًا في انتظار الأوامر

رؤوس نووية
محمود المصري -

في لحظةٍ يغلب فيها صوت المدافع على نداءات السلام، ويغدو الحوار السياسي أكثر هشاشة من هدنة مؤقتة، تتخذ التهديدات النووية طابعًا أكثر واقعية مما كانت عليه في عقودٍ مضت. ومع احتدام الصراعات المسلحة حول العالم، خاصة الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، تتصاعد المخاوف من انزلاق العالم إلى سيناريوهات تتجاوز الحرب التقليدية، وتلامس حدود الكارثة الكونية.

فالقضية لم تعد مقتصرة على اشتباكٍ سياسي أو نزاع إقليمي، بل تتجاوز ذلك إلى توازن هش بين تسع قوى نووية تمتلك ترسانات مدمّرة، في وقتٍ تعجز فيه المنظمات الدولية عن إرساء أطر ردع واضحة أو الوصول إلى اتفاقيات صلبة قادرة على إيقاف تسارع الانزلاق نحو الهاوية.

تأتي الهند وباكستان في قلب هذا الخطر، حيث يتجدد التوتر حول كشمير، تلك المنطقة التي باتت مسرحًا دائمًا للعداء بين قوتين نوويتين تاريخيتي الصراع، في وقتٍ تواصل فيه روسيا تلويحها باستخدام الأسلحة الاستراتيجية إذا ما لجأت دول أوروبا أو حلف الناتو لاستخدامها، مما يعيد إلى الذاكرة سباق التسلح في الحرب الباردة، ولكن في نسخة أكثر فوضوية وتعددًا في اللاعبين.

خريطة السلاح النووي: من يملك مفاتيح الفناء؟

وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)، تتصدر روسيا قائمة الدول الأكثر امتلاكًا للرؤوس النووية بعدد يبلغ نحو 5449 رأسًا نوويًا، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بـ 5277 رأسًا، ثم تأتي الصين بـ 600 رأس، وفرنسا بـ 290 رأسًا، والمملكة المتحدة بـ 225 رأسًا. أما الهند وباكستان، فتملكان على التوالي 180 و170 رأسًا، فيما يمتلك الاحتلال الإسرائيلي 90 رأسًا، وتتذيل كوريا الشمالية القائمة بـ 50 رأسًا.

لكن ما يثير القلق ليس فقط حجم الترسانة، بل موضعها ووضعيتها العملياتية. فالمعهد أشار إلى أن قرابة 9585 رأسًا نوويًا تم وضعها في المخزونات العسكرية لاحتمالية الاستخدام، فيما تم نشر 3904 رأسًا منها على متن الصواريخ والطائرات، وهو ما يعكس استعدادًا فعليًا لدى تلك القوى لتفعيل منظومات الردع في أي لحظة تصعيد.

أخطر ما في هذه الأرقام هو أن 2100 رأس نووي منها تم وضعها في "حالة تأهب قصوى" ضمن صواريخ باليستية جاهزة للإطلاق الفوري، في مؤشرات تؤكد استمرار نمط "الردع بالردع" الذي تُمارسه الولايات المتحدة وروسيا، رغم مرور أكثر من عامين على الحرب في أوكرانيا، والتي شهدت خلالها موسكو تصعيدًا كلاميًا خطيرًا بشأن إمكانية استخدام السلاح النووي، لا سيما تجاه دول شرق أوروبا.

ما بعد الردع: تسارع في الإنتاج وغياب الإرادة الدولية

على صعيد آخر، تؤكد تقارير الحملة الدولية لحظر الأسلحة النووية (ICAN) أن الترسانات النووية لم تشهد فقط توسعًا عدديًا، بل نوعيًا أيضًا. فآخر التقارير الصادرة عن اتحاد العلماء الذريين أظهرت أن عدد الرؤوس النووية حول العالم وصل إلى 12,331 رأسًا، منها أكثر من 9,600 رأسًا في المخزونات النشطة، ما يشير إلى تحول الردع من فكرة إلى احتمالية حقيقية، لا سيما في ظل البيئة الجيوسياسية المشحونة.

التحليل الأبرز في هذا السياق هو ما ذكره مدير معهد ستوكهولم، دان سميث، الذي أشار إلى تسارع في إنتاج الرؤوس النووية خلال السنوات الأخيرة، مقابل تفكيك بطيء لأسلحة الحرب الباردة. وبيّن أن عدد الرؤوس الفعّالة زاد بالفعل، رغم ادعاءات تخفيض المخزونات، في إشارة واضحة إلى أن التخلص من الأسلحة القديمة يجري بالتوازي مع تطوير بدائل أكثر كفاءة ودمارًا.

الأمر لا يقف عند الدول التسع المعلنة فقط، بل يمتد إلى ما يُعرف بـ "الدول المستضيفة"، وهي ست دول أوروبية (بلجيكا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، تركيا) تحتفظ الولايات المتحدة داخل أراضيها بأسلحة نووية تكتيكية، ما يضعها ضمن ساحة الرد النووي حتى دون امتلاكها الرسمي للسلاح. هذا الانتشار يجعل من التخطيط الأمريكي للحرب النووية أكثر تعقيدًا، ويخلق "جبهات صامتة" يمكن أن تشتعل في أي لحظة.

غياب الاتفاقيات وحضور الخطر

مع تعثر كل مساعي التهدئة في أوكرانيا، وتقلص فرص الوصول لاتفاق شامل بين الهند وباكستان، وغياب المسار الدبلوماسي لحل الأزمة النووية الإيرانية، تتزايد احتمالية أن تتحول ساحات الصراع التقليدي إلى منصات إطلاق فعلية لرؤوس دمار شامل، لا سيما في ظل التلميحات الروسية المتكررة بشأن الرد الاستراتيجي، واختبارات كوريا الشمالية المستمرة، وتوترات الشرق الأوسط التي تُبقي إسرائيل في وضعية جهوزية دائمة.

ويذهب تقرير ICAN إلى توقعات أكثر قتامة، إذ يرى أن العقد المقبل سيشهد نموا في الترسانات النووية، وتطوّرًا نوعيًا في إمكانياتها التدميرية، نتيجة الاستثمارات الضخمة التي ترصدها تلك الدول في برامجها العسكرية النووية.