اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

الاتحاد الأوروبي يبحث عن استقلالية عسكرية لمواجهة روسيا

تسليح
تسليح

تصاعدت دعوات القيادات الأوروبية لتعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي الدفاعية، في ظل تنامي المخاوف من تهديدات روسيا المستمرة. تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيسة وزراء الدنمارك، مته فريدريكسن، تعكس إدراكاً متزايداً لحاجة أوروبا إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة وبناء منظومة دفاعية مستقلة.
تشير تصريحات فون دير لاين إلى توجه الاتحاد الأوروبي نحو بناء سوق دفاعي موحد بحلول عام 2030، عبر إنشاء آلية لشراء الأسلحة بشكل مشترك وتطوير مجمع صناعي عسكري أوروبي قوي. يأتي ذلك في ظل انسحاب تدريجي للولايات المتحدة من القارة الأوروبية، ما يدفع الدول الأوروبية إلى التفكير بجدية في إعادة بناء منظومتها الأمنية بعيداً عن الاعتماد التقليدي على واشنطن وحلف الناتو.
كما أن مقترح "الكتاب الأبيض"، الذي يتضمن صندوقًا بقيمة 150 مليار يورو لتمويل الدفاع الأوروبي، يعكس إدراك الاتحاد للحاجة إلى تطوير البنية التحتية العسكرية، بما في ذلك تعزيز الدفاع الجوي والصاروخي وتسهيل النقل السريع للقوات والمعدات داخل القارة.
استراتيجية الردع الأوروبية
تحذر فون دير لاين وفريدريكسن من أن روسيا، التي تمضي نحو "اقتصاد حرب"، قد تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن أوروبا، خاصة بعد غزوها لأوكرانيا. وتؤكد فريدريكسن أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون قادرًا على الدفاع عن نفسه بشكل كامل خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، معتبرةً أن إعادة التسليح أصبحت "أهم شيء" يواجه القارة حاليًا.
تشمل التهديدات الروسية المحتملة استخدام الحروب الهجينة، مثل التضليل الإعلامي، والهجمات السيبرانية، واستغلال الهجرة غير الشرعية كأداة لزعزعة استقرار الدول الأوروبية. هذه التكتيكات تفرض على أوروبا تطوير استراتيجيات أمنية شاملة، تتجاوز الجوانب العسكرية التقليدية إلى مجالات الحرب السيبرانية والمعلوماتية.
تأثير السياسة الأمريكية على الأمن الأوروبي
يأتي هذا التحول في السياسة الدفاعية الأوروبية وسط غموض في العلاقات مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل مواقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي دفع بسياسة تقليص الالتزامات الأمريكية تجاه أوروبا. وبينما أكدت فون دير لاين استمرار التعاون مع الناتو والولايات المتحدة، فإنها أشارت أيضًا إلى توسيع الشراكات الدفاعية الأوروبية لتشمل دولاً خارج الاتحاد، مثل بريطانيا وكندا والهند.
كما أن إجراء ترامب محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول إنهاء الحرب في أوكرانيا دون إشراك الدول الأوروبية، يعكس تراجع التأثير الأوروبي في القضايا الأمنية الكبرى، وهو ما يفرض على الاتحاد الأوروبي تعزيز استقلاله الاستراتيجي.
يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن الاتحاد الأوروبي من تحقيق استقلاله الدفاعي خلال السنوات القليلة المقبلة، أم أن تعقيدات السياسة الأوروبية وتفاوت القدرات العسكرية بين الدول الأعضاء تُبطئ هذا المسار؟ كما أن تصعيد المواجهة مع روسيا قد يزيد من حالة عدم الاستقرار، خاصة إذا لم تترافق الجهود العسكرية مع استراتيجيات دبلوماسية فعالة.
كما يعكس الخطاب الأوروبي تحولًا جذريًا في الأولويات الأمنية، حيث أصبح بناء قدرة دفاعية ذاتية ضرورة استراتيجية وليس مجرد خيار. لكن مدى نجاح هذا المشروع سيعتمد على قدرة الاتحاد الأوروبي على التنسيق المشترك، وتأمين التمويل اللازم، ومواجهة التحديات الجيوسياسية المتزايدة في عالم يتجه نحو مزيد من الاستقطاب.