غزة تحت وطأة الفوضى.. بين تحديات مقاومة الاحتلال وصراع العصابات

تعتبر مدينة غزة واحدة من أكثر المناطق التي تشهد تقلبات مؤلمة نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي والعدوان المستمر منذ سنوات. في الأيام الأخيرة، تحولت المدينة إلى ساحة رعب جديدة، لم تكن معالمها تتعلق فقط بالقصف الإسرائيلي المعتاد أو المواجهات العسكرية المستمرة. بل دخلت غزة في مرحلة جديدة من الصراع الداخلي الذي له أبعاد اقتصادية واجتماعية خطيرة، حيث تزايدت العمليات الإجرامية المتمثلة في النهب والسرقة.
مع بداية هذه الموجة، أصبح ليل غزة محط أنظار لا من أجل الصراع العسكري وحسب، بل من أجل تفشي فوضى السرقات، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس تواجه تحديات جديدة. العصابات التي ظهرت في المناطق الغربية للمدينة، وتحديدًا في أحياء مثل الرمال، قامت بتنفيذ عمليات نهب واسعة النطاق استهدفت المحال التجارية والمخازن التي تحتوي على مواد غذائية ومساعدات إنسانية كانت موجهة للمدنيين. هذا التزايد في الجرائم لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى الوضع المتدهور الذي يعانيه سكان القطاع من نقص حاد في المواد الأساسية بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر.
في تلك الليلة، وقعت مواجهات عنيفة بين تلك العصابات وأجهزة الأمن التابعة لحماس، التي حاولت فرض النظام في الشوارع. ومع تزايد عمليات السرقات، أصبح القلق يسود العائلات الفلسطينية التي وجدت نفسها ضحية للتهديدات الأمنية، خصوصًا في ظل تكدس النازحين من مناطق شرق القطاع في غرب المدينة، وهو ما يسهل حركة اللصوص ويزيد من صعوبة السيطرة الأمنية.
الموقف تفاقم عندما تداخلت الطائرات الإسرائيلية المسيّرة، التي كان لها دور في دعم تلك العصابات، وفقًا للتقارير الميدانية. مما ساعد على استغلال الوضع الأمني الهش بشكل أكبر من قبل اللصوص، رغم محاولات الأجهزة الأمنية للتصدي لهم. تلك الطائرات لم تقتصر مهمتها على القصف، بل كانت تساهم في إضعاف دفاعات حماس عبر استهدافها للمواقع الأمنية.
ورغم ذلك، لم تنجح تلك العصابات في كل محاولاتها، حيث قامت الأجهزة الأمنية في بعض الأحيان بنصب كمائن والقتال من أجل حماية الممتلكات. وفي الوقت نفسه، ظهرت ردود فعل واسعة من قبل العائلات والعشائر في القطاع، التي نددت بتلك الجرائم ورفضت الانسياق وراء عمليات السرقة، بل دعت إلى محاكمة كل من تورط في تلك الأفعال، معتبرة أن الانجرار وراء الجوع والتعاطف مع العصابات يعكس تواطؤًا مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لتدمير غزة من الداخل.
من جانب آخر، استغلت الرئاسة الفلسطينية تلك الأحداث لمهاجمة حركة حماس، متهمة إياها بالتورط في دعم تلك العصابات التي تسرق المساعدات الإنسانية. وقد عبرت العديد من الفصائل الفلسطينية، مثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، عن رفضها القاطع لما جرى، مؤكدة ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال. هذا الرفض ارتكز على ضرورة تحصين المجتمع من الفوضى الداخلية التي تساعد الاحتلال على تحقيق أهدافه، من خلال تدمير الروابط المجتمعية.
التحديات الأمنية والمجتمعية
يعتبر ما يحدث في غزة امتدادًا للتحديات الأمنية المعقدة التي تواجهها المدينة نتيجة للعدوان الإسرائيلي المستمر، والذي يفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لكن ما يتضح من هذا المشهد هو أن العوامل الداخلية، مثل ضعف النظام الأمني وظهور العصابات الإجرامية، تزيد من حدة معاناة الفلسطينيين وتؤثر على تماسك المجتمع. في هذا السياق، تظهر الحاجة إلى تفعيل آليات حماية مجتمعية تشمل جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في القطاع، وتستند إلى روح من التعاون الوطني بعيدًا عن الفوضى والاعتداءات.
إن مسألة تفعيل هذه الآليات ليست مجرد ضرورة لحماية الممتلكات، بل هي أيضًا خطوة أساسية نحو الحفاظ على الهوية الفلسطينية في ظل الحرب والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. وفي غياب هذا التنسيق المجتمعي، قد يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام تحديات أكبر قد لا تقل خطورة عن التهديدات العسكرية التي يواجهونها.