«سيندور».. دلالات اسم العملية العسكرية الهندية على باكستان

في تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان، أعلنت الحكومة الهندية أنها نفّذت فجر الأربعاء ضربات صاروخية استهدفت تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، وصفتها بأنها "بنى تحتية إرهابية". جاء هذا التحرك العسكري بعد هجوم دموي استهدف الشطر الهندي من كشمير في 22 أبريل، أسفر عن مقتل 26 شخصاً، وأثار موجة غضب واسعة في الداخل الهندي، خصوصاً مع تداول صور مؤلمة لضحايا الهجوم، من بينها صورة لامرأة مستلقية بجانب جثة زوجها أصبحت رمزاً وطنياً للفقد والحزن.
باكستان، من جانبها، سارعت إلى الرد، وأعلنت أنها أسقطت خمس طائرات مقاتلة هندية، مما يشير إلى دخول البلدين – وكلاهما يملك السلاح النووي – في نفق مظلم من التصعيد المتبادل، يُعيد إلى الأذهان مواجهات سابقة كادت أن تتطوّر إلى صراع شامل.
المسحوق الأحمر
لكن اللافت هذه المرة، ليس فقط في طبيعة الرد العسكري الهندي، بل في اسمه ومضمونه الرمزي: "عملية سيندور". فالـ"سيندور" هو المسحوق الأحمر الذي تضعه النساء الهندوسيات على جباههن بعد الزواج، كرمز للحماية والارتباط الزوجي، ويتوقف وضعه عند ترمّل المرأة. اختيار هذا الاسم يضفي على الضربة بُعداً اجتماعياً وعاطفياً يتجاوز الحسابات العسكرية البحتة، ليصوغ رسالة سياسية واضحة مفادها أن دماء القتلى – وأراملهم – لن تذهب هدراً.
بحسب تحليل نشرته صحيفة بيزنس ستاندرد، فإن اختيار الاسم لم يكن صدفة، بل جاء بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي أراد "تكريماً" لأرامل ضحايا الهجوم، وتأكيداً على أن الدولة ستثأر لمواطنيها. هذا البُعد الرمزي تجلّى كذلك في ترويج المسؤولين للعملية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر وزيرا الدفاع والخارجية صوراً للمسحوق الأحمر، مصحوبة بتصريحات تؤكد أن الهند "لن تتسامح مع الإرهاب".
ضربات دقيقة
ورغم أن الهند سعت لتوصيف العملية باعتبارها "ضربات دقيقة"، فإن تصعيداً بهذا المستوى بين دولتين نوويتين لا يمكن عزله عن المخاوف الإقليمية والدولية من انزلاق الأمور إلى مواجهة أوسع. وتُعيد هذه التطورات إلى الأذهان أزمات سابقة في كشمير، خصوصاً بعد عملية "بلكوت" في 2019، التي كادت أن تُشعل مواجهة شاملة بعد مقتل العشرات في هجوم انتحاري تبنّته جماعة "جيش محمد" المتمركزة في باكستان.
الهجوم الأخير في باهالغام – وما تبعه من ردّ عسكري ورسائل سياسية – يكشف مدى هشاشة الوضع في كشمير، ذلك الإقليم المتنازع عليه الذي ظل شرارة الصراع المزمن بين الجارتين منذ التقسيم عام 1947. كما يسلّط الضوء على الدور المتزايد للرمزية في السياسة الهندية تحت قيادة مودي، الذي يجيد المزج بين الرسائل القومية والدينية والاجتماعية لتعزيز صورته كزعيم حاسم في أوقات الأزمات.
لكن، في المقابل، تبقى الأسئلة الكبرى قائمة: إلى أي مدى ستُسهم هذه العملية في ردع الهجمات مستقبلاً؟ وهل تستطيع الرمزية وحدها أن تمنع التصعيد من الانفجار؟ وهل يمكن احتواء الأزمة قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة وتعيد إشعال واحدة من أخطر بؤر التوتر في آسيا؟
الجواب مرهون بخيارات الأيام المقبلة – وبمدى قدرة الطرفين على كبح جماح التصعيد.