رسائل نارية بين واشنطن وطهران على أرض اليمن الملتهبة

في خضم تصاعد التوتر الإقليمي والدولي، وجّه وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث رسالة شديدة اللهجة إلى إيران، محمّلاً إياها مسؤولية دعم جماعة الحوثيين في اليمن، ومتوعداً بأن تدفع "الثمن في الزمان والمكان الذي تختاره واشنطن". هذا التصريح يمثل أحدث فصول المواجهة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، ويعكس تحولاً استراتيجياً في مقاربة واشنطن للتعامل مع ما تسميه "الوكلاء الإقليميين" لطهران.
أبعاد التصعيد الأميركي
منذ منتصف مارس، كثّف الجيش الأميركي عملياته الجوية ضمن حملة عسكرية موسعة ضد مواقع الحوثيين في اليمن، تحت مسمى "راف رايدر". ووفقاً للبيانات الرسمية، فقد شنت القوات الأميركية أكثر من 800 غارة، استهدفت مواقع عسكرية وبُنى تحتية للجماعة، وأسفرت عن مقتل مئات المقاتلين وعدد كبير من قادتهم. الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف هذه الضربات بأنها "ناجحة بشكل لا يُصدق"، مؤكداً أنها تضعف قدرات الحوثيين بشكل متسارع.
إلى جانب الغارات الأميركية، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية عن مشاركتها في عمليات قصف مشترك مع واشنطن، ما يعكس وجود تحالف عسكري غربي فاعل في مسرح العمليات اليمني، خاصة في المناطق الشمالية مثل صعدة والجوف.
دوافع إيران وانكفاؤها التكتيكي
على الجانب الآخر، وفي ظل الخشية من الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع واشنطن، كشفت تقارير بريطانية عن أوامر إيرانية بسحب عناصرها من اليمن. مسؤول إيراني رفيع، نقلت عنه صحيفة تليجراف، أشار إلى أن طهران باتت تعتبر الحوثيين "خارج معادلة المستقبل"، وأن بقائهم لم يعد ذا جدوى استراتيجية، خصوصاً في ظل تغير الأولويات الإيرانية لمواجهة التهديد الأميركي المباشر، بقيادة إدارة ترمب.
هذا التراجع الإيراني يشي بإعادة تقييم شاملة لاستراتيجية "الوكلاء" التي اعتمدتها طهران لعقود في المنطقة، والتي شملت دعم جماعات مسلحة في لبنان وسوريا واليمن. وفي هذا السياق، يبدو أن طهران تفضل التركيز على الخطوط الأمامية الأقرب لمصالحها الحيوية، بدلاً من التورط في صراعات مرهقة على أطراف النفوذ.
التصعيد والضريبة الإنسانية
لكن هذا الصراع الجيوسياسي لا يخلو من كلفة إنسانية باهظة. ففي واحدة من أعنف الغارات خلال الأسابيع الستة الماضية، قُتل 68 شخصاً داخل مركز لاحتجاز المهاجرين في صعدة، ما أثار انتقادات حقوقية واسعة. الولايات المتحدة أعلنت أنها تحقق في الحادث، لكنها امتنعت عن نشر تفاصيل عن طبيعة الهدف، معتبرة ذلك مسألة أمن عمليات.
وتعكس هذه الضربات، رغم دقتها المفترضة، هشاشة الوضع الإنساني في اليمن، حيث يتداخل المدنيون والمقاتلون، وتُستخدم البُنى المدنية أحياناً كدروع بشرية، ما يصعّب من مهمة التمييز بين الأهداف المشروعة وتلك التي تحمل خطراً إنسانياً.
المفاوضات في الخلفية وآمال باهتة للتهدئة
رغم التصعيد العسكري، لا تزال القنوات الدبلوماسية مفتوحة. فقد استضافت سلطنة عمان ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ومن المرتقب أن تُستأنف في روما في 3 مايو المقبل. تصريحات وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي أشارت إلى تقدم نسبي، لكنه هش، في مناقشة "اتفاق قائم على الاحترام المتبادل والالتزامات الدائمة".
غير أن التصعيد الميداني في اليمن قد يقوّض هذه الجهود، ويضعف من فرص بناء تفاهمات استراتيجية طويلة الأمد. فالحوار الدبلوماسي يصطدم بجدار من النيران والغارات، في وقت تسعى فيه الأطراف المتنازعة إلى تحسين مواقعها التفاوضية على الأرض.