ما بعد الخطوط الحمراء.. تصعيد إيراني–إسرائيلي وترمب بين شبح الحرب وحلم الصفقة

بين تصعيد عسكري ينذر بانفجار إقليمي، وتكتيكات تفاوضية تتأرجح بين التهديد والإغراء، يجد الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه في قلب أزمة متصاعدة بين إيران وإسرائيل. الأزمة التي دخلت يومها الخامس بانخراط عسكري مباشر بين الطرفين، تتجاوز حدود المواجهة التقليدية، لتعيد رسم مشهد الصراع النووي في الشرق الأوسط، وتضع الإدارة الأميركية أمام خيارين شديدي التناقض: دبلوماسية مشروطة أم تصعيد غير محسوب.
ترمب يريد نهاية لا هدنة
في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة الرئاسية أثناء عودته من قمة مجموعة السبع في كندا، نفى ترمب سعيه إلى "وقف إطلاق نار مؤقت"، معلنًا بوضوح أنه لا يهدف إلى هدنة بين إيران وإسرائيل، بل إلى "نهاية حقيقية" تتمثل في تخلي طهران الكامل عن برنامجها النووي. هذا التصريح جاء في وقت يشهد تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، يُرجح أن لا تلتزم فيه إسرائيل بخفض هجماتها، وفق توقعات ترمب نفسه.
تأكيده على أنه سيكون في "غرفة العمليات" في البيت الأبيض وليس في الخارج، يُظهر حجم الجدية التي يضفيها على الوضع، وقدرته على متابعة التطورات لحظة بلحظة من موقع القرار، بعيدًا عن الاعتماد على التقارير أو وسائط الاتصال التقليدية.
رسائل مزدوجة
على الرغم من تصريحه بعدم التواصل المباشر مع إيران، إلا أن تقارير عدة، منها ما أوردته شبكة CNN، تشير إلى تعليمات صادرة من ترمب لفريقه بعقد اجتماع مع مسؤولين إيرانيين "في أسرع وقت ممكن"، عبر وسطاء. هذه المفارقة بين النفي العلني والحراك الخلفي تعكس استراتيجية التفاوض الترامبية المعروفة، والتي تعتمد على تصعيد الضغط العلني، مع إبقاء قنوات خلفية للتفاوض مفتوحة.
في المقابل، لم تغب نبرة التحذير، إذ وجه ترمب تهديدًا صريحًا لطهران، محذرًا من أي مساس بالقوات أو المصالح الأميركية، ومتوعدًا بـ"رد قاسٍ جدًا" إذا تم تجاوز هذه الحدود. لكنه امتنع عن تأكيد ما إذا كانت وزارة الدفاع قد قدمت له خططًا عسكرية للرد على أي هجوم إيراني محتمل.
معركة الروايات: الاتفاق القديم في مواجهة "الفرصة الضائعة"
في ظل التصعيد، حرص ترمب على التأكيد أنه لم يعرض على إيران محادثات سلام، متهماً وسائل الإعلام بتلفيق هذه الأخبار. لكنه لم يخفِ ندمه على رفض الإيرانيين للصفقة السابقة التي كانت مطروحة، ملمحًا إلى أن قبولهم بها كان سيوفر أرواحًا كثيرة.
تصريحات ترمب تعيدنا إلى خطابه القديم حول الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والذي انسحب منه عام 2018. ورغم التصعيد الراهن، لا يزال يعوّل على إمكانية إبرام اتفاق جديد، وهو ما أكده وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز".
إسرائيل تضغط.. وإيران تتحدى
في خلفية المشهد، يبرز الدور الإسرائيلي بوصفه القوة الدافعة وراء المواجهة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يضغط بقوة على واشنطن للانضمام علنًا إلى المعركة، مستهدفًا منشأة "فوردو" النووية الإيرانية. وتُعزى هذه الضغوط إلى قناعة إسرائيلية بأن تدمير المنشآت النووية الإيرانية لن يتحقق إلا عبر ضوء أخضر أميركي مباشر.
من جهتها، تصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي، لكنها ردت على الهجمات الإسرائيلية بصواريخ استهدفت مناطق عدة، وسط تبادل مستمر للهجمات الجوية والبرية بين الجانبين. هذا التبادل الدموي أسفر عن سقوط مدنيين، وزاد من احتمالات انزلاق المنطقة إلى حرب أوسع قد تشمل أطرافًا غير مباشرة، خاصة مع إغلاق مجالات جوية وعجز عشرات الأميركيين عن مغادرة المنطقة.
قمة مجموعة السبع.. دعم رمزي أم اصطفاف فعلي؟
في قمة مجموعة السبع التي غادرها ترمب مبكرًا، دعا القادة إلى وقف التصعيد، مجددين موقفهم الثابت ضد امتلاك إيران سلاحًا نوويًا، ومؤكدين في الوقت نفسه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". غير أن ترمب انتقد لاحقًا تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن وجود مساعٍ أميركية لوقف إطلاق النار، معتبرًا أنها "غير دقيقة" و"لا علاقة لها بالواقع"، بل وكتب على منصته "تروث سوشيال" أن ما يحدث "أكبر من وقف إطلاق النار".
مآلات محتملة.. صفقة أم مواجهة مفتوحة؟
بين تهديد علني ورسائل تفاوض خلفية، تظل واشنطن تراهن على اختبار مدى جدية إيران في الانخراط الدبلوماسي، دون أن تُسقط خيار التصعيد العسكري من الطاولة. وفيما تتحرك تل أبيب عسكريًا بوتيرة متسارعة، يبدو أن طهران تحاول موازنة الرد دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
السيناريوهات المقبلة
-
التصعيد الشامل في حال تجاوزت إيران أو إسرائيل خطوطًا حمراء جديدة، لا سيما إذا طالت الهجمات أهدافًا أميركية.
-
التهدئة المؤقتة عبر وسطاء إقليميين أو دوليين، تمهيدًا لمفاوضات قد تكرر نمط الاتفاق النووي السابق لكن بصيغة أكثر تشددًا.
استمرار المعركة الباردة، بحيث تبقى الضربات متبادلة لكن تحت سقف محدود، مع استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.