اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

شمال غزة بلا مستشفيات.. انهيار المنظومة الصحية وسط الحصار والقصف الإسرائيلي

مستشفيات
مستشفيات

في تطور خطير وغير مسبوق ضمن مسار العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، يوم الأحد، خروج جميع المستشفيات العامة في محافظة شمال غزة عن الخدمة بشكل كامل، وذلك بعد أن حاصرت القوات الإسرائيلية المستشفى الإندونيسي – آخر معقل طبي كان لا يزال يقدم خدماته في تلك المنطقة.

ووفقًا للبيان الرسمي الصادر عن الوزارة، فإن "التكثيف المتعمد لمحاصرة المستشفى الإندونيسي ومحيطه، ومنع إدخال الإمدادات الطبية وإعاقة وصول الطواقم الطبية والمرضى"، قد أدى إلى تعطيله بالكامل. وبهذا، تصبح محافظة شمال غزة محرومة من أي خدمات صحية رسمية، ما يعني فعليًا دخول السكان في منطقة كارثية على الصعيد الإنساني والصحي.

تفاصيل الأزمة الإنسانية

خروج المستشفى الإندونيسي عن الخدمة لم يكن مجرد واقعة منفصلة، بل يمثل الذروة المأساوية لمسار من التدمير الممنهج الذي استهدف البنية التحتية الصحية في القطاع، خاصة في شماله. هذا المستشفى كان يخدم عشرات آلاف المواطنين، ويُعد من أهم المراكز الطبية من حيث التجهيزات والخدمات التي يوفرها، لاسيما في ظل شح الموارد الطبية جراء الحصار.

وتأتي هذه الخطوة في وقت يشتد فيه القصف الإسرائيلي على القطاع، حيث أفادت وزارة الصحة بأن حصيلة القتلى منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 بلغت 53339 شهيدًا، وهو رقم صادم يعكس حجم الكارثة المستمرة. أما في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة فقط، فقد أسفر القصف عن مقتل 67 فلسطينيًا، وإصابة 361 آخرين، ما يعمق من مأساوية الوضع، خاصة في ظل العجز الكامل في استيعاب المصابين.

الأبعاد المأساوية

الخروج الكامل للمستشفيات العامة في شمال غزة عن العمل لا يعني فقط غياب القدرة على علاج الجرحى، بل يشمل كذلك غياب الخدمات الأساسية الأخرى، مثل رعاية الأطفال حديثي الولادة، العمليات الطارئة، تقديم العلاجات المزمنة، وخدمات العناية المركزة. كما ينذر بانهيار خدمات الوقاية من الأمراض المعدية، مما يعزز احتمالية تفشي الأوبئة في ظل الازدحام السكاني وشح المياه النظيفة ومحدودية وسائل النظافة العامة.

وبينما تواصل قوات الاحتلال تصعيدها العسكري، تُحرم الطواقم الطبية من الوصول إلى الجرحى والمصابين تحت الأنقاض، وتُمنع شحنات المساعدات الطبية من الدخول، ما يشي بأن استهداف القطاع الصحي ليس مجرد "أضرار جانبية"، بل جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر صمود المجتمع المدني الفلسطيني عبر استهداف مراكز الحياة.

إن ما يحدث في شمال غزة من انهيار تام للمنظومة الصحية، يمثل جريمة إنسانية تتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة والحقوق الإنسانية. فالصمت عن هذا الواقع، وتجميد المساعدات أو ربطها بشروط سياسية، سيؤدي إلى مزيد من الضحايا ويكرس كارثة إنسانية قد يصعب علاج آثارها لعقود. كما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمصداقية التزامه بقيم العدالة والإنسانية، في وقت تتلاشى فيه أبسط حقوق الإنسان أمام مرأى ومسمع العالم.