اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

اعترافات مؤجلة.. جرائم الحرب بغزة بين الخطاب الرسمي والصراع الداخلي في إدارة بايدن

جرائم إسرائيل
جرائم إسرائيل

في تحوّل لافت بعد مغادرته منصبه، أقرّ المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، بأن إسرائيل ارتكبت "بلا شك" جرائم حرب خلال عدوانها على غزة، مشيرًا إلى وجود انقسامات داخل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بشأن كيفية التعامل مع الحكومة الإسرائيلية.
تصريحات ميلر، التي أدلى بها في مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" البريطانية، سلطت الضوء على التباين بين الموقف الرسمي الأميركي والخطابات الداخلية التي سادت البيت الأبيض خلال فترة الحرب. ورغم نفيه لوقوع إبادة جماعية، أصرّ ميلر على أن هناك جرائم حرب مؤكدة ارتُكبت، سواء نتيجة سياسات ممنهجة أو تصرفات متهورة من قبل الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يفتح الباب لتساؤلات قانونية وأخلاقية بشأن المساءلة الدولية.
أحد أبرز ملامح المقابلة تمثّل في تمييز ميلر بين نوعين من المسؤولية: الأولى تتعلق باتباع سياسة متعمدة لارتكاب جرائم الحرب، والثانية ناتجة عن تصرفات متهورة تخلق بيئة مواتية لوقوع هذه الانتهاكات. ورغم تحفظه على توجيه اتهام مباشر للدولة الإسرائيلية ككل، شدّد على أن "حالات فردية" لجنود إسرائيليين ارتكبوا بوضوح أفعالاً تندرج تحت تعريف جرائم الحرب، وسط غياب شبه تام للمساءلة الداخلية.

قنابل ثقيلة

وفي ما يبدو أنه نقد ضمني للسياسة الأميركية، أشار ميلر إلى أن إدارة بايدن كانت تدرك حجم الخسائر البشرية في غزة، لكنها بقيت مترددة في اتخاذ خطوات حاسمة للضغط على إسرائيل.
وقال: "كنا نستطيع فعل المزيد"، في إشارة إلى إمكانية ممارسة ضغوط أكبر لفرض وقف لإطلاق النار أو لتقييد استخدام الأسلحة الأميركية في العمليات العسكرية التي أودت بحياة آلاف المدنيين.
واستشهد ميلر بقرار الإدارة تعليق شحنة من القنابل الثقيلة في ربيع 2024، باعتباره خطوة نادرة تمّت نتيجة المخاوف من استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان، لكن هذه الخطوة ظلت استثناءً في إطار دعم طويل الأمد وغير مشروط لإسرائيل.
كما أشار إلى وجود توتر داخل الإدارة، ولا سيما بين الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي أُشيع أنه كان غير راضٍ عن الموقف الأميركي تجاه كل من غزة وأوكرانيا. إلا أن ميلر رفض تأكيد هذه الخلافات بشكل مباشر، مكتفيًا بالإشارة إلى أن العمل داخل الحكومة لا يخلو من الخلافات السياسية، وأن دور المسؤولين هو تقديم رؤاهم للرئيس دون ضمان تبنيها.
وعند سؤاله عن سبب صمته أثناء توليه المنصب، أوضح ميلر أن المنصة الرسمية تفرض على المتحدث تبني مواقف الدولة، لا مواقفه الشخصية. ولفت إلى أن الولايات المتحدة، رغم كل ما حدث، لم تصدر حتى اللحظة تقييمًا رسميًا يعتبر أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب، ما يعكس الفجوة بين الحقائق الميدانية والمواقف السياسية الأميركية.

إدراك متأخر

تعكس تصريحات ميلر حالة من الإدراك المتأخر للمسؤولية الأخلاقية والسياسية، وتكشف عن عمق التناقضات داخل الإدارة الأميركية في مقاربة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما تسلّط الضوء على محدودية التغيير في المواقف الرسمية حتى بعد تغير المعطيات الميدانية وتزايد الضغوط الحقوقية والدولية.
وفي السياق الأوسع، تبدو هذه التصريحات بمثابة محاولة لرسم حدود شخصية بين ما هو رسمي وما هو إنساني، لكنها تضع أيضاً علامات استفهام حول قدرة النُظم الديمقراطية الغربية على محاسبة حلفائها حين يتورطون في انتهاكات جسيمة، خاصة حين تُستخدم الأسلحة الأميركية في سياقات تُوصف دولياً بأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.