فرنسا وإيطاليا يسعيان لإصلاح العلاقات وتوحيد الصف الأوروبي لمواجهة ترامب

في لحظة أوروبية تتسم بالهشاشة السياسية والتغيرات الجيوسياسية المتسارعة، يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني إلى تجاوز سنوات من التوتر وإعادة ضبط بوصلة العلاقات بين باريس وروما. الاجتماع الثنائي المرتقب في روما لا يمثل مجرد لقاء بروتوكولي بين زعيمين أوروبيين، بل يحمل دلالات عميقة حول مستقبل التنسيق داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصًا في ظل اضطراب علاقات القارة مع واشنطن منذ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
رهانات ما قبل القمم
يتزامن اللقاء مع التحضيرات لاجتماعات مصيرية على رأسها قمتا حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجموعة السبع، ما يمنحه طابعًا استراتيجياً. ووفقًا لمصادر دبلوماسية، فإن المحادثات قد تشكل فرصة لتمهيد الطريق أمام قمة ثنائية موسعة بين الحكومتين، في محاولة لإحياء ما تبقى من معاهدة "كويرينال" التي دخلت حيّز التنفيذ عام 2023، لكنها تعثّرت بسبب الخلافات السياسية المتكررة.
التحولات الجيوسياسية التي فجّرها ترامب، خاصة في مجالي التجارة والأمن، ما تزال تلقي بظلالها الثقيلة على العلاقات الأوروبية الداخلية. ففي الوقت الذي يُظهر فيه ماكرون نهجًا تعاونيًا مرنًا مع واشنطن، تبدو ميلوني أكثر قربًا أيديولوجيًا من ترامب، ما يخلق مفارقة واضحة بين رؤيتي الزعيمين لمكانة أوروبا في العالم، ولطبيعة علاقتها بالحليف الأطلسي.
الملفات المتفجرة: من أوكرانيا إلى الهجرة والتجارة
يتوقع أن تتناول المحادثات مواضيع شديدة الحساسية مثل الحرب في أوكرانيا، التوازنات في الشرق الأوسط، وملفات اقتصادية وتجارية خلافية، أبرزها ملف شركة STMicroelectronics التي فجرت توترًا بعد أن تجاهلت ترشيح روما لعضوية مجلس إدارتها. هذه القضية، على رمزيتها، تعكس الصراع على النفوذ داخل الشركات المشتركة، وتعقيد العلاقات الفرنسية الإيطالية عند تقاطع الاقتصاد بالسياسة.
خطاب الود الظاهري والتوتر المتراكم
رغم تأكيد ميلوني أن "الخلافات بين القادة لا تعني خلافًا بين الدول"، إلا أن سردية الوقائع تشير إلى تاريخ من التجاذبات الأيديولوجية. منذ تولي ميلوني رئاسة الوزراء، لم تخفِ انزعاجها من سياسات ماكرون، الذي تعتبره تجسيدًا للنخبة الأوروبية المتعالية، بينما ينظر إليها ماكرون كامتداد لليمين الشعبوي الأوروبي، على شاكلة مارين لوبان. مواقفهما المتعارضة بشأن قضايا الهجرة، الحريات الفردية، والحوكمة الأوروبية، عمّقت الهوة الشخصية والسياسية.
فجوة بين الرمزية والتطبيق في التعاون الثنائي
رغم توقيع معاهدة "كويرينال"، التي وضعت أسس تعاون وثيق بين باريس وروما، فإن التنفيذ العملي بقي محدودًا بفعل التوتر السياسي. هذه الفجوة بين الرغبة المؤسسية والإرادة السياسية تهدد بفرملة أي تقارب حقيقي، خاصة في ظل تشكيك ميلوني المتكرر في المبادرات الفرنسية أحادية الجانب، وغياب التنسيق المنتظم بين الحكومتين.
مستقبل العلاقة.. بين البراغماتية والانقسام
من جهة، يبدو أن كلاً من ميلوني وماكرون يدركان أهمية التفاهم، لا سيما في ظل الحاجة الأوروبية لتوحيد الصفوف في مواجهة تحديات كبرى مثل الصين، روسيا، والهجرة الجماعية. ومن جهة أخرى، تقف الفوارق الأيديولوجية وتاريخ التجاذبات العلنية عائقًا أمام بناء شراكة استراتيجية مستقرة.
في خضم هذا التعقيد، قد ينجح اللقاء المنتظر في فتح قناة تواصل جديدة، لكنه سيبقى اختبارًا للنيات أكثر من كونه اختراقًا فعليًا. أوروبا، في لحظة تشظيها، لا تملك ترف العداوات المزمنة، كما أن وحدة الصف لم تعد ترفًا بل ضرورة سياسية وجودية.