هدنة على حافة الهاوية بين الهند وباكستان.. واشنطن تقود الوساطة والسعودية تنشط دبلوماسيًا

في مشهد يعكس هشاشة الاستقرار الإقليمي في جنوب آسيا، أعلنت الهند وباكستان، مساء السبت 10 مايو، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد تصعيد عسكري وصف بالأخطر منذ عقدين بين الجارتين النوويتين. الاتفاق جاء نتيجة ضغوط دبلوماسية دولية متزايدة، لعبت فيها الولايات المتحدة دوراً محورياً، إلى جانب وساطة نشطة من المملكة العربية السعودية.
جذور الانفجار الأخير
بدأت شرارة التوترات في 22 أبريل، إثر تفجير عبوة ناسفة استهدفت حافلة سياحية في منطقة باهالجام في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، أسفر عن مقتل 26 مدنياً، معظمهم من الهنديين. سارعت نيودلهي إلى اتهام تنظيم "جبهة المقاومة الإسلامية"، ذي الصلة بجماعة "لشكر طيبة" الباكستانية، مشيرة إلى ضلوع عنصر سابق في القوات الخاصة الباكستانية، ما صعّد الاتهامات المتبادلة وزاد من احتمال الرد العسكري.
التصعيد العسكري
في رد سريع ومخطط، شنت الهند عملية عسكرية واسعة أطلقت عليها اسم "السِّندور"، استهدفت بها تسعة مواقع في كشمير الباكستانية وداخل الأراضي الباكستانية نفسها، بزعم أنها مراكز لتدريب المسلحين. لم تلبث باكستان أن ردّت بعملية مضادة سُمّيت "البنيان المرصوص"، استهدفت منشآت عسكرية هندية في مناطق لاداخ والبنجاب، مع استخدام متبادل للطائرات المسيّرة والصواريخ، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين في كلا الجانبين.
الولايات المتحدة تقود التهدئة
مع اقتراب النزاع من حافة الانفجار، قادت الولايات المتحدة جهوداً دبلوماسية مكثفة لاحتواء الأزمة. أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب التوصل إلى الهدنة بعد "ليلة طويلة من المحادثات"، شارك فيها وزير الخارجية ماركو روبيو ونائب الرئيس جي دي فانس، اللذان أجريا اتصالات مباشرة مع قادة البلدين. هذه الجهود اعتُبرت حاسمة لمنع تحول الأزمة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين دولتين نوويتين.
التحرك السعودي.. دبلوماسية فعّالة ومتزنة
بالتوازي مع التحركات الأميركية، دخلت المملكة العربية السعودية على خط الأزمة من خلال جهد دبلوماسي نشط، تمثل في زيارات مباشرة لوزير الخارجية السعودي إلى نيودلهي ثم إسلام أباد. حملت هذه التحركات رسائل واضحة من القيادة السعودية تدعو إلى التهدئة وتغليب لغة الحوار، وهو ما لقي ترحيباً وتقديراً من الطرفين، بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة.
أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً أكدت فيه "متابعة المملكة بقلق بالغ للتطورات"، وجددت دعمها للحلول السلمية، في موقف يُعبّر عن سعي الرياض لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتأكيد دورها كوسيط موثوق.
الخلفية التاريخية.. كشمير الجرح المفتوح
تعود جذور النزاع إلى عام 1947، مع تقسيم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان. ومنذ ذلك الحين، شكّل إقليم كشمير نقطة اشتعال دائمة، تسببت بثلاث حروب وعدد من الاشتباكات، أبرزها في 1999 (حرب كارجيل) و2019، عندما أسقط البلدان طائرات بعضهما البعض.
لكن ما يميز التصعيد الأخير هو تفكك الأدوات الدبلوماسية التي كانت تشكّل صمام أمان للصراع، بعد أن أعلنت الهند تجميد العمل بـ"اتفاقية شِملا"، وردّت باكستان بتعليق "معاهدة مياه نهر السند"، مما يفتح الباب أمام أزمة قد تطال ليس فقط الأمن، بل الموارد الحيوية للطرفين.
آفاق ما بعد الهدنة
رغم هشاشة وقف إطلاق النار، إلا أنه يُنظر إليه كفرصة ثمينة لإعادة إحياء المسارات الدبلوماسية والبحث عن حلول مستدامة. لكن استمرار الخروقات المحدودة، مثل الانفجارات في سريناغار وتحليق الطائرات المسيّرة، يُذكّر الجميع بأن نار الصراع ما زالت تحت الرماد، وأن أي سوء تقدير قد يُشعل فتيل مواجهة جديدة.
يرى محللون أن نجاح الهدنة يتوقف على التزام الطرفين، ودعم القوى الكبرى، خاصة واشنطن والرياض، في دفع البلدين نحو حوار جاد يراعي الهواجس الأمنية والهوياتية المتجذرة في ملف كشمير.