اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

انتخابات رئاسية حاسمة في بولندا بين مشروع أوروبا الليبرالية وصعود القومية الشعبوية

الانتخابات في بولندا
الانتخابات في بولندا

تتجه الأنظار نحو بولندا، حيث يدلي المواطنون بأصواتهم في جولة إعادة مصيرية للانتخابات الرئاسية، في مشهد سياسي يعكس الاستقطاب العميق والانقسام الإيديولوجي داخل البلاد. الانتخابات ليست مجرد منافسة شخصية بين مرشحين، بل صراع حاد بين مشروعين متباينين لمستقبل بولندا: الأول يدعو إلى الاندماج الأوروبي والليبرالية المؤسسية، والثاني يُجسّد صعود القومية المحافظة والانعزال السياسي.


منذ صعود حكومة حزب "القانون والعدالة" اليميني في عام 2015، دخلت بولندا في توتر دائم مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي بسبب ما اعتُبر تآكلاً للديمقراطية وتراجعاً عن سيادة القانون. ومع عودة دونالد توسك إلى رئاسة الوزراء عام 2023، سعى إلى إعادة توجيه البلاد نحو الشراكة الأوروبية وتعزيز استقلال القضاء، إلا أن مشاريعه اصطدمت بعقبة رئيس الجمهورية أندريه دودا، الذي استخدم صلاحياته لعرقلة الإصلاحات.


الانتخابات الرئاسية.. تناقض البرامج وصدام الرؤى


المواجهة الحالية تجمع بين رافال ترزاسكوفسكي، عمدة وارسو وحليف توسك الليبرالي، وكارول ناوروكي، الوافد الجديد إلى السياسة من خلفية أكاديمية وشعبوية. ترزاسكوفسكي يمثل الجناح التقدمي الذي يرى في بروكسل حليفاً طبيعياً، ويدعو إلى إصلاحات شاملة تشمل تحرير قوانين الإجهاض وتعزيز الحقوق المدنية، فيما يتبنى ناوروكي خطاباً شعبوياً يقوم على "الدفاع عن الهوية الوطنية" ومناهضة الهجرة، وهو خطاب يجد صداه لدى فئات من الناخبين الذين يشعرون بالتهميش في ظل موجات التغيير الثقافي والاقتصادي.

البعد الدولي وتأثير ترامب


تكتسب هذه الانتخابات أهمية إضافية بالنظر إلى السياق الدولي، إذ جاء دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لناوروكي ليؤكد تسييس هذه الانتخابات في إطار المحاور الدولية. فبينما تراهن الحكومة الحالية على تعميق التحالف مع الاتحاد الأوروبي، يتبنى ناوروكي موقفاً أكثر تحفظاً تجاه بروكسل ويقترب من رؤية ترامب التي تميل إلى تفكيك العولمة وإعادة الاعتبار للسيادة القومية.
الأمن والدفاع: بولندا في قلب التوتر الروسي
يتفق المرشحان على أهمية موقع بولندا في حلف الناتو، خصوصاً في ظل التصعيد الروسي في أوكرانيا، لكن يختلفان في مقاربات التعامل مع الحلفاء الغربيين. فبينما يسعى ترزاسكوفسكي لإحياء الثقة مع بروكسل وواشنطن، يعوّل ناوروكي على خطاب أمني ذاتي يقوم على "الاعتماد على الذات" ورفض ما يعتبره "املاءات غربية".

فضائح وشكوك

الحملة لم تخلُ من الجدل، إذ تورط ناوروكي في فضائح تتعلق بشجارات مزعومة مع مشجعي كرة القدم، مما أضعف صورته رغم تقدمه النسبي في الجولة الأولى. في المقابل، يعاني ترزاسكوفسكي من فتور بعض قواعده الانتخابية بسبب تراجع شعبية دونالد توسك نفسه، وتباطؤ وتيرة الإصلاحات الموعودة.

الاستقطاب الشعبي

القضايا الاجتماعية مثل الإجهاض والهجرة والانفتاح الثقافي تسببت في انقسام داخل المجتمع البولندي الذي يبلغ تعداده 37 مليون نسمة، ويشهد صراعاً حاداً بين التيار المدني الأوروبي وبين التيارات المحافظة ذات النزعة القومية والدينية.
تشكل هذه الانتخابات لحظة حاسمة ستحدد ليس فقط من سيجلس في قصر الرئاسة، بل مستقبل بولندا السياسي وموقعها الجيوسياسي بين الغرب الليبرالي ودوائر النفوذ المحافظة والشعبوية. النتيجة ستعكس مزاجاً شعبياً مضطرباً، يعكس التوتر بين تطلعات الحداثة والخوف من فقدان الهوية، وهي معادلة باتت تتكرر في العديد من الديمقراطيات الحديثة حول العالم.