كوريا الجنوبية بين ديمقراطية مجروحة وانتقال حرج.. انتخابات رئاسية مبكرة في ظل إرث الأحكام العرفية

شهدت كوريا الجنوبية اليوم الثلاثاء، محطة سياسية فارقة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تأتي في أعقاب واحدة من أكثر الفترات اضطراباً في تاريخها الديمقراطي الحديث، إثر فرض الرئيس السابق يون سوك يول الأحكام العرفية في خطوة فاجأت الداخل والخارج، وخلّفت آثاراً عميقة على صورة البلاد كديمقراطية ديناميكية، وإن كانت مشحونة بالتوترات السياسية.
جاءت هذه الانتخابات الاستثنائية نتيجة مباشرة لعزل الرئيس يون بقرار من المحكمة الدستورية، التي اعتبرت فرضه للأحكام العرفية في ديسمبر الماضي انتهاكاً جسيماً لواجباته الدستورية.
قرار العزل، الذي صدر في 4 أبريل، أطلق مساراً دستورياً عاجلاً لانتخاب رئيس جديد دون المرور بفترة انتقالية تقليدية، وهو ما يعكس طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، والمخاوف من فراغ سياسي في ظل التحديات الداخلية والخارجية.
مهمة شاقة
في هذا السياق، يجد الرئيس المنتخب نفسه أمام مهمة شاقة: إعادة ترميم الثقة بين الدولة والمجتمع، الذي أصيب بخيبة أمل عميقة جراء استغلال السلطة التنفيذية للجيش والمؤسسات الأمنية. التحدي لا يقف عند حدود الداخل، إذ تواجه كوريا الجنوبية أيضاً واقعاً اقتصادياً دقيقاً يتمثل في هشاشة نموذجها التنموي القائم على التصدير، والذي بات عرضة للتقلبات الناجمة عن النزعة الحمائية المتصاعدة في السياسات التجارية الأميركية، بالرغم من عمق العلاقات الأمنية والتحالف الاستراتيجي مع واشنطن.
ويتنافس على الرئاسة مرشحان رئيسيان يمثلان قطبي الطيف السياسي: لي جاي ميونج، مرشح الحزب الديمقراطي الليبرالي، وكيم مون سو، مرشح حزب "سلطة الشعب" المحافظ. وقد اتفق كلا المرشحين – رغم اختلاف رؤاهما الأيديولوجية – على الحاجة إلى مراجعة شاملة للنظامين السياسي والاقتصادي اللذين رسّخا مكانة كوريا الجنوبية منذ تحوّلها إلى ديمقراطية صناعية ناشئة. هذا الإجماع النادر في الخطاب الانتخابي يعكس شعوراً عاماً بأن البنية المؤسساتية للدولة بحاجة إلى تحديث يواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
التصويت المبكر
وقد بدأت عملية الاقتراع في 14,300 مركز انتخابي على مستوى البلاد عند الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، واستمرت حتى الثامنة مساءً. وأظهرت المؤشرات الأولية إقبالاً مرتفعاً، إذ بلغ عدد الناخبين المؤهلين نحو 44.4 مليون ناخب، منهم 15.4 مليون شاركوا مسبقاً في التصويت المبكر يومي 29 و30 مايو، مسجلين نسبة مشاركة بلغت 34.74%، وهي ثاني أعلى نسبة في تاريخ التصويت المبكر للانتخابات الرئاسية بعد انتخابات 2022.
ومن المنتظر أن تعلن النتائج الأولية في منتصف ليل الثلاثاء، مع الانتهاء الكامل لعملية الفرز صباح الأربعاء، حيث سيباشر الرئيس المنتخب مهامه فور إقرار فوزه رسمياً من قبل اللجنة الوطنية للانتخابات، دون انتظار نهاية ولاية سلفه كما هو معتاد في الحالات العادية.
تُعد هذه الانتخابات اختباراً مزدوجاً: أولاً لمتانة المؤسسات الكورية في تصحيح المسار الديمقراطي بعد انحراف خطير، وثانياً لقدرتها على اختيار قيادة قادرة على صياغة عقد اجتماعي واقتصادي جديد يخفف من الانقسامات الداخلية ويحصّن البلاد في مواجهة التحديات الدولية.