أوروبا تجهز خطة بديلة في مواجهة انسحاب أمريكي محتمل من مفاوضات أوكرانيا

تشير تصريحات كايا كالاس، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، إلى تصاعد القلق الأوروبي من تحولات محتملة في الموقف الأمريكي تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، في حال قررت إدارة الرئيس دونالد ترمب الانسحاب من مفاوضات السلام أو التراجع عن دعمها لأوكرانيا. هذا التوجه الأمريكي المحتمل يضع أوروبا أمام سيناريوهات معقدة، أبرزها احتمال انفراط وحدة الصف الأوروبي، وظهور تباينات حادة في آلية التعامل مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو.
1. هواجس من انسحاب أمريكي:
تتخوف بروكسل من أن إدارة ترمب – المعروفة بمقاربتها الانعزالية – قد تختار الانسحاب من المفاوضات أو حتى تقليص التزاماتها تجاه كييف، خاصة بعد فشلها في إحراز تقدم ملموس خلال أول 100 يوم من ولايته. كالاس ألمحت إلى وجود إشارات على أن واشنطن "تفكر في الخروج من أوكرانيا"، وهو ما يعيد إلى الواجهة مخاوف أوروبية قديمة من تحالف أمريكي-روسي على حساب المصالح الأوروبية والأوكرانية.
2. الخطة الأوروبية البديلة:
تحسبًا لهذا الاحتمال، يعمل الاتحاد الأوروبي على وضع "خطة بديلة" لضمان استمرار الضغط الاقتصادي على روسيا، حتى في حال فقدان الغطاء الأمريكي أو في حال استخدام المجر لحق النقض (الفيتو) ضد تمديد العقوبات في يوليو المقبل. تشمل الخطة سيناريوهات فردية، مثل لجوء دول معينة إلى فرض عقوبات وطنية، كما فعلت بلجيكا بتجميد أصول روسية داخل أراضيها. لكن كالاس حذّرت من مغبة التركيز على الخطة البديلة، لأن "البديل قد يتحول إلى واقع إذا تم التعامل معه كخيار أول".
3. أزمة التماسك الأوروبي:
داخل الاتحاد، ظهرت انقسامات غير معلنة بشأن كيفية الرد على التحولات الأمريكية. فهناك – بحسب كالاس – نقاشات في بعض العواصم حول إمكانية السير على نهج واشنطن، وبدء تطبيع تدريجي مع موسكو، وهو ما تعتبره إستونيا ودول البلطيق تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي. تؤكد كالاس أن هذه "آمال زائفة"، خاصة أن روسيا تخصص أكثر من 9% من ناتجها القومي للإنفاق العسكري، ما يهدد بعودة التصعيد في مناطق أخرى مستقبلاً.
4. مخاوف من ازدواجية المعايير الأمريكية:
أثارت المقترحات الأمريكية التي تتضمن رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا واستئناف التعاون في مجالات الطاقة، قلقًا أوروبيًا واسعًا. فبينما لا تزال الشركات الأوروبية ممنوعة من التعامل مع موسكو، قد تجد الشركات الأمريكية نفسها في موقع متميز تجاريًا، ما يضعف الموقف الأوروبي الموحد، ويزيد من الضغوط السياسية الداخلية على الحكومات الأوروبية.
5. موقف واشنطن غير الحاسم:
رغم تعهد ترمب بـ"وقف القتل" وإنهاء الحرب بسرعة، لم تحقق إدارته تقدمًا جوهريًا حتى الآن، ويبدو أنها تلمّح إلى انسحابها من الوساطة إذا لم يتحقق أي اختراق سياسي. بالمقابل، أعرب الكرملين عن "دعم مبدئي" للمبادرة الأمريكية، لكنه أشار إلى وجود "تفاصيل دقيقة" تعرقل التقدم، ما يوحي بإمكانية استخدام موسكو للمفاوضات كغطاء لمواصلة الضغط العسكري.
يمر الصراع في أوكرانيا بمرحلة مفصلية، حيث تتهدد وحدة الموقف الغربي من أكثر من جهة. فإذا تراجعت واشنطن عن دعمها لكييف أو انحازت إلى صفقة تنطوي على تقديم تنازلات كبرى لروسيا، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون أمام اختبار حقيقي لقدرته على إدارة الملف الأمني بشكل مستقل. الخطة البديلة التي تعدّها بروكسل ليست فقط إجراءً احترازيًا، بل تعكس إدراكًا عميقًا لتحول جذري في موازين القوة الدولية، عنوانه الأبرز: من الذي سيملأ فراغ الغياب الأميركي؟.