اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار
طولكرم تُطوَّق ونور شمس تُباد.. عدوان شامل على الضفة والقطاع وسط صمت دولي في لاهاي.. محكمة العدل الدولية تفتح ملف الجرائم الإسرائيلية بالأراضي المحتلة كشمير من جديد.. التوتر الهندي-الباكستاني تحت مجهر النووي والدبلوماسية الأمريكية إقالة والتز.. صراع الولاءات والنفوذ داخل إدارة ترمب بين الطموحات الشخصية وتيارات الصقور والاعتدال أوكرانيا بين الجمود الدبلوماسي وتبدّل التوجهات الأمريكية.. أزمة حرب لا تلوح نهايتها في الأفق ترامب يغلق ثغرة الـ800 دولار.. بين حماية الصناعة الوطنية وصدمة المستهلك الأمريكي أزمة الديمقراطية في مرآة اليمين المتطرف.. تصنيف حزب البديل من أجل ألمانيا كخطر على النظام الدستوري بين رمزية الاحتفال وجدلية الاستعراض.. تحليلات لأزمة العرض العسكري المحتمل في عيد ميلاد ترمب غزة والضفة في مرمى التصعيد.. تصعيد دموي بالقطاع وحصار ميداني بنابلس هجوم بطائرات مسيّرة على سفينة إنسانية قرب مالطا.. تصعيد خطير ضد الإغاثة المتجهة إلى غزة مخاوف العلويين في سوريا... الطرد تحت تهديد السلاح الطائفة الدرزية في سوريا.. بين ضربات إسرائيل ومساعي التهدئة الداخلية

مخاوف العلويين في سوريا... الطرد تحت تهديد السلاح

سوريون من الأقلية العلوية يلجأون إلى مدرسة في قرية المسعودية بمنطقة عكار شمال لبنان
سوريون من الأقلية العلوية يلجأون إلى مدرسة في قرية المسعودية بمنطقة عكار شمال لبنان

في إحدى أمسيات أواخر يناير (كانون الثاني) اقتحم 12 رجلاً ملثماً منزل عائلة أم حسن في دمشق وهددوا أفراد العائلة ببنادق كلاشينكوف وأمروهم بالمغادرة.

وحين قدموا وثائق الملكية، اعتقل الرجال الشقيق الأكبر لأم حسن، وقالوا إنهم لن يفرجوا عنه إلا بعد مغادرتهم. وقالت أم حسن التي اكتفت بالكشف عن كنيتها خوفاً من أن تصبح هدفاً للانتقام، إن العائلة سلمت المنزل بعد 24 ساعة، واستلمت شقيقها منهكاً من مقر جهاز الأمن العام المحلي وتظهر عليه علامات الضرب والكدمات.

ليست الوحيدة

وأم حسن من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

وقصة أم حسن وأسرتها ليست فريدة من نوعها.

وقال مسؤولون سوريون وزعماء علويون ومنظمات حقوقية و12 شخصاً ممن قصوا حكايات عن تعرضهم لحوادث مماثلة تحدثوا إلى وسائل الإعلام إنه منذ تولي الرئيس الموقت أحمد الشرع السلطة في ديسمبر (كانون الأول)، أجبرت قوات الأمن مئات العلويين على مغادرة منازلهم في دمشق.

وقال بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، "أكيد لا نحكي عن حالات فردية بل عن مئات وربما آلاف من حالات الطرد".

ولم ترصد تقارير سابقة عمليات إخلاء جماعية للعلويين من منازلهم الخاصة.

وقمع بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، لأكثر من 50 عاماً، أي معارضة من المسلمين السنة في سوريا الذين يشكلون أكثر من 70 في المئة من السكان. وشغل العلويون عديداً من المناصب العليا في الحكومة والجيش، وأداروا شركات كبيرة.

ويتهمون الآن أنصار الشرع الذين كانوا ينتمون سابقاً لفرع تابع لتنظيم "القاعدة"، بإساءة معاملتهم بطريقة ممنهجة كنوع من الانتقام.

وفي مارس (آذار)، قُتل مئات العلويين في المنطقة الساحلية الغربية لسوريا، وامتد العنف الطائفي إلى دمشق، رداً في ما يبدو على كمين نصبه مسلحون موالون للأسد لقوات الأمن السورية الجديدة أسفر عن سقوط قتلى.

وقال مسؤولان حكوميان إن آلاف الأشخاص طُردوا من منازلهم في دمشق منذ إطاحة الأسد، أغلبهم من العلويين.

وأضاف المسؤولان أن معظمهم كانوا يقيمون في مساكن حكومية مرتبطة بوظائفهم في مؤسسات الدولة، ولأنهم لم يعودوا يعملون فقد فقدوا حقهم بالإقامة في تلك المساكن.

لكن مقابلات أجرتها وسائل الإعلام مع عدد من المسؤولين ومن تعرضوا للطرد، تكشف عن أن مئات آخرين، مثل أم حسن، طُردوا من منازلهم المملوكة لهم لمجرد أنهم علويون.

ولم ترد بعد وزارة الداخلية التي تشرف على جهاز الأمن العام ومكتب الشرع على طلبات التعليق.

لجنة الغنائم

وتعهد الشرع باتباع سياسات لا تقصي أحداً من أجل توحيد بلد مزقته حرب أهلية طائفية على مدار 14 عاماً، ولجذب الاستثمارات والمساعدات الأجنبية.

لكن العلويين يخشون أن تكون عمليات الإخلاء جزءاً من تصفية حسابات طائفية ممنهجة من قبل حكام سوريا الجدد.

وقال مسؤول في مديرية ريف دمشق، المسؤولة عن إدارة الخدمات العامة، طلب عدم الكشف عن اسمه، إنهم تلقوا مئات الشكاوى من أشخاص طُردوا باستخدام العنف.

وقال رئيس بلدية علوي في إحدى ضواحي دمشق، طلب أيضاً عدم الكشف عن اسمه نظراً إلى حساسية الأمر، في مارس الماضي إن 250 عائلة من أصل 2000 عائلة هناك طُردت.

وأطلع رئيس البلدية وسائل الإعلام على مكالمة مسجلة في الشهر نفسه مع شخص يدعي أنه عضو في جهاز الأمن العام، وهو جهاز جديد مكون من مقاتلين من المعارضة السورية ممن أطاحوا الأسد.

وطلب مسؤول جهاز الأمن العام من رئيس البلدية أن يجد منزلاً شاغراً لعائلة تنتقل من الشمال. وحين قال رئيس البلدية إنه لا توجد شقق للإيجار، طلب منه المسؤول إخلاء أحد تلك المنازل التي يملكها "هؤلاء الخنازير"، في إشارة إلى العلويين.

وقال ثلاثة مسؤولين كبار في جهاز الأمن العام، إن السلطات الجديدة شكلت لجنتين لإدارة ممتلكات أفراد يعتقد أنهم مرتبطون بالنظام السابق. وقالوا إن إحدى اللجنتين مسؤولة عن المصادرة، بينما تتولى الأخرى معالجة الشكاوى.

ولم يتسن معرفة ما إذا كان الشرع على علم بطرد أصحاب المنازل من مساكنهم، أو ما إذا كان مكتبه يشرف على اللجنتين.

وأفادت مصادر جهاز الأمن العام بأن اللجنتين تشكلتا مع اقتراب قوات الشرع من دمشق في ديسمبر الماضي على غرار كيان مماثل يعرف باسم "لجنة غنائم الحرب" في معقل الشرع السابق في إدلب.

وقال بسام الأحمد من منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، إن من المؤكد أن عمليات الإخلاء هذه ستُغير التركيبة السكانية للمدينة، "وهي شبيهة بمحاولات نفذها الأسد في مناطق المعارضة أو المناطق السنية. نحن نحكي عن الممارسة نفسها، ولكن الضحايا مختلفون، والجهات فاعلة مختلفة".

وفي 16 أبريل (نيسان) الماضي، قدمت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" شكوى إلى مديرية ريف دمشق طالبت فيها بوقف انتهاكات الملكية "بدوافع طائفية" وإعادة الممتلكات المنهوبة.

دقيقتان للمغادرة

نقل حافظ الأسد العلويين من المناطق الساحلية إلى المراكز الحضرية للمساعدة في توطيد سلطته.

وقال فابريس بالانش، المتخصص في الشؤون السورية والأستاذ المساعد في جامعة "ليون 2"، إن الأسد أقام منشآت عسكرية ووحدات سكنية للجنود وعائلاتهم حول دمشق، حيث مثل العلويون نسبة كبيرة من السكان هناك. وكان تمثيل العلويين في الجيش غير متناسب.

وقال بالانش إن نحو نصف مليون علوي انتقلوا إلى المناطق الساحلية بعد طردهم من العاصمة وحمص وحلب وأجزاء أخرى من سوريا عقب سقوط الأسد.

وفي ضاحية الأسد العلوية التي تغير اسمها الآن إلى ضاحية الشام، قالت أم حسين، وهي موظفة مدنية وأم لأربعة أطفال، إن رجلين مسلحين ملثمين جاءا إلى منزلها في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، وقالا إنهما من جهاز الأمن العام.

وقال جوشوا لانديس، المتخصص في الشؤون السورية ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة "أوكلاهوما"، إن جهاز الأمن العام الذي أنشأه الشرع يبدو أنه امتداد للقوة الأمنية التي حكمت محافظة إدلب.

وأضاف أن الجهاز يبدو الآن وكأنه الشرطة ومكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة الاستخبارات المركزية والحرس الوطني، كلهم ​​في جهاز واحد.

وقالت أم حسين، إن الرجال منحوها مهلة 24 ساعة للمغادرة، لأن ابنها يعتمد على كرسي متحرك. وخاطبت عدداً من الجهات الحكومية للاحتفاظ بمنزلها، وحصلت على بعض التطمينات.

وفي اليوم التالي، نحو الساعة العاشرة صباحاً، عاد الرجال وأمهلوها دقيقتين للمغادرة. وقالت أم حسين إنهم صادروا أيضاً متجراً تملكه عائلتها في الحي، وكانت تؤجره.

وأضافت "نعيش في هذا المنزل منذ أكثر من 22 عاماً. استثمرنا فيه جميع أموالنا ومدخراتنا. لا نستطيع تحمل كلف استئجار منزل آخر".

وتحدثت وسائل الإعلام مع اثنين من أفراد قوات الأمن في المنازل الخاصة التي احتلوها. واستولى أحدهما على منزلين، واحد يعود لأم حسين، بعد إخلاء الملاك.

وقال حامد محمد إن وحدته استولت على أربعة منازل شاغرة تابعة لـ"الشبيحة"، وهي ميليشيات مسلحة سيئة السمعة موالية للأسد. وقال إن قوات الأمن لم تصادر أي شيء لا يخص "الشبيحة"، وتذكر بغضب أن منزله في إحدى ضواحي دمشق دمر أثناء الحرب الأهلية، وأنه انتقل إلى العاصمة بعد سقوط الأسد، ولم يكن لديه مكان آخر يقيم فيه.

ظلم انتقالي

في الـ12 من فبراير (شباط)، دعا محافظ دمشق المواطنين الذين يشكون من مصادرة ممتلكاتهم ظلماً إلى تقديم شكاوى إلى المديريات.

وزارت وسائل الإعلام إحدى هذه المديريات في مارس، حيث أكد المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، وجود نمط متكرر يتمثل في قيام أفراد مسلحين بإخلاء السكان من دون أمر قضائي، ومنعهم من أخذ ممتلكاتهم، ثم الانتقال إلى مكان آخر.

وأفادت المصادر بأن غالبية عمليات المصادرة استهدفت سوريين من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، ممن فقدوا وظائفهم ويفتقرون إلى الموارد اللازمة لسد رمقهم.

وقال مسؤول آخر في مديرية أخرى بدمشق إن عمليات الإخلاء حدثت بين عشية وضحاها من دون اتباع الإجراءات القانونية المرعية.

وقال لانديس "الأمر فوضوي، لكن هناك نهجاً وراء هذا الجنون، وهو إرهاب الناس وإعلام العالم أجمع بأن العلويين لم يعودوا في السلطة. لا توجد عدالة انتقالية. لا يوجد إلا ظلم انتقالي".

وقالت رفاه محمود، إن سبعة مسلحين اقتحموا شقتها في 20 فبراير، وهددوا بقتلها هي وعائلتها العلوية ما لم تسلمهم مفاتيح العقار الذي اشتروه قبل 15 عاماً.

وشاركت رفاه مقطعاً مصوراً مدته دقيقتان و27 ثانية مع تظهر فيه وهي تقف خلف باب منزلها وتجادل بشدة الرجال الذين أنذروا العائلة بالمغادرة مع حلول الليل.

ووصف رجال قالوا إنهم من عناصر أمن الدولة، رفاه وعائلتها "بالكفار والخنازير".

وحينما طلبت الاطلاع على الأمر القضائي بالطرد، أجاب الرجال "لا نفعل الأشياء هنا إلا شفهياً".