اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار
طولكرم تُطوَّق ونور شمس تُباد.. عدوان شامل على الضفة والقطاع وسط صمت دولي في لاهاي.. محكمة العدل الدولية تفتح ملف الجرائم الإسرائيلية بالأراضي المحتلة كشمير من جديد.. التوتر الهندي-الباكستاني تحت مجهر النووي والدبلوماسية الأمريكية إقالة والتز.. صراع الولاءات والنفوذ داخل إدارة ترمب بين الطموحات الشخصية وتيارات الصقور والاعتدال أوكرانيا بين الجمود الدبلوماسي وتبدّل التوجهات الأمريكية.. أزمة حرب لا تلوح نهايتها في الأفق ترامب يغلق ثغرة الـ800 دولار.. بين حماية الصناعة الوطنية وصدمة المستهلك الأمريكي أزمة الديمقراطية في مرآة اليمين المتطرف.. تصنيف حزب البديل من أجل ألمانيا كخطر على النظام الدستوري بين رمزية الاحتفال وجدلية الاستعراض.. تحليلات لأزمة العرض العسكري المحتمل في عيد ميلاد ترمب غزة والضفة في مرمى التصعيد.. تصعيد دموي بالقطاع وحصار ميداني بنابلس هجوم بطائرات مسيّرة على سفينة إنسانية قرب مالطا.. تصعيد خطير ضد الإغاثة المتجهة إلى غزة مخاوف العلويين في سوريا... الطرد تحت تهديد السلاح الطائفة الدرزية في سوريا.. بين ضربات إسرائيل ومساعي التهدئة الداخلية

ترامب يغلق ثغرة الـ800 دولار.. بين حماية الصناعة الوطنية وصدمة المستهلك الأمريكي

ترامب
ترامب

في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية وتجارية وأمنية معقدة، أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إغلاق واحدة من أبرز الثغرات الجمركية المعروفة بـ"قاعدة الحد الأدنى" (De Minimis Rule)، التي كانت تسمح بدخول الطرود الفردية التي تقل قيمتها عن 800 دولار إلى الولايات المتحدة دون فرض رسوم جمركية، شريطة أن تُشحن مباشرة إلى المستهلك. وقد شكّل هذا الإجراء تحوّلاً جذريًا في سياسات التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، ولا سيما تجاه المنصات الصينية مثل Temu وShein التي استفادت من القاعدة بشكل واسع لتغزو السوق الأمريكي بالبضائع الرخيصة.


جذور المشكلة.. من إعفاء ضريبي إلى منفذ واسع للتجارة الصينية


تمثل "قاعدة الحد الأدنى" أحد الأدوات التي تعزز التجارة الحرة وتخفف الأعباء الجمركية على الطرود الفردية. لكن مع تزايد الاعتماد عليها من قبل شركات التجارة الإلكترونية الصينية، تحوّلت هذه القاعدة إلى منفذ واسع لتصدير السلع زهيدة الثمن إلى السوق الأمريكي دون رقابة فعالة أو مساهمة ضريبية، مما وضع الشركات الأمريكية المصنعة في وضع تنافسي غير متكافئ.
بحسب بيانات هيئة الجمارك الأمريكية، تم شحن نحو مليار طرد بهذه الطريقة خلال عام 2023، بمتوسط سعر 54 دولارًا للطرد، ما يعكس حجم الظاهرة وتأثيرها الكبير على الاقتصاد الأمريكي من جهة، والبيئة التنظيمية من جهة أخرى.


الأبعاد الاقتصادية.. دعم الصناعة أم الإضرار بالمستهلك؟

بررت إدارة ترامب القرار بأنه دعم مباشر للصناعة الأمريكية التي تضررت من تدفق البضائع الرخيصة غير الخاضعة للجمارك، خصوصًا قطاع النسيج الذي تُشكل هذه الطرود أكثر من نصف ما يدخل ضمن القاعدة المذكورة. وبحسب كيم غلاس، رئيسة مجلس صناعة النسيج الأمريكي، فإن هذه الثغرة تسببت بدخول ملايين القطع من الأزياء "غير الآمنة وغير القانونية"، ما أدى إلى تآكل قاعدة الإنتاج المحلية.
لكن من ناحية أخرى، يُتوقع أن يؤدي إغلاق هذه الثغرة إلى رفع أسعار السلع على المستهلك الأمريكي، خاصة الشرائح متوسطة ومنخفضة الدخل التي اعتمدت على هذه المنصات لشراء منتجات بأسعار زهيدة. وقد بدأت منصات مثل Temu بإضافة "رسوم استيراد"، فيما أعلنت Shein شمول الرسوم الجمركية ضمن السعر النهائي، ما يشي بتغيرات ملموسة في التسعير قد تُضعف من جاذبية هذه المنصات.


الأثر على سلاسل الإمداد والشحن


يمتد تأثير القرار ليشمل شركات الشحن والنقل مثل FedEx وUPS، التي كانت تحقق أرباحًا ضخمة من عمليات التوصيل السريع للطرود الصغيرة، ووفرت بنية تحتية مرنة لهذا النوع من التجارة. إغلاق القاعدة سيُقلص حجم الأعمال بشكل كبير، ويُجبر الكثير من هذه الشركات على إعادة هيكلة استراتيجياتها.


الأبعاد الأمنية.. الفنتانيل في قلب الأزمة


بعيدًا عن الاقتصاد، كان للبعد الأمني دور أساسي في دفع القرار. فقد أشار ترامب إلى أن القاعدة كانت تُستغل لتهريب المواد الكيميائية الأولية لإنتاج الفنتانيل، المخدر القاتل الذي يودي بحياة عشرات الآلاف من الأمريكيين سنويًا. ولأن القاعدة لا تلزم الشركات بتقديم بيانات مفصلة عن محتوى الشحنات، فقد مثّلت هذه الشحنات الصغيرة ثغرة أمنية حقيقية سهّلت عبور مواد محظورة دون رقابة جمركية صارمة.


توازنات سياسية وتجارية مع الصين


من الناحية الجيوسياسية، يُعد القرار تصعيدًا جديدًا في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وقد يُفسّر كإجراء حمائي صريح يهدف إلى كبح الصادرات الصينية. كما أنه يُهدد بإعادة توتير العلاقات التجارية في وقت تسعى فيه بكين وواشنطن إلى ضبط إيقاع المواجهة الاقتصادية.

ينقسم الرأي العام والمراقبون بين من يرى في القرار إنقاذًا للإنتاج المحلي ومحاولة لفرض عدالة تجارية، ومن يعتبره إجراءً انعزالياً يُضر بالشركات الصغيرة والمستهلكين ويؤدي إلى تباطؤ التجارة الإلكترونية.

يمثل إلغاء "قاعدة الحد الأدنى" خطوة شجاعة لكنها محفوفة بالمخاطر. فرغم أنها تعزز الإنتاج المحلي وتسد ثغرة أمنية خطيرة، فإنها تأتي على حساب المستهلك الأمريكي الذي سيواجه "صدمة سعرية"، وعلى حساب شركات الشحن والتوزيع التي بنت نماذجها على انسيابية التجارة منخفضة القيمة. إنها أزمة تجمع بين الاقتصاد، والأمن، والسياسة، وتختبر قدرة الإدارة الأمريكية على موازنة المصالح المتعارضة في زمن العولمة الرقمية.

موضوعات متعلقة