اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

اجتياح متواصل.. كيف تحوّلت طولكرم وجنين إلى مناطق أشباح؟

دمار
دمار


تتواصل عمليات الاحتلال الإسرائيلي على مدينتي طولكرم وجنين ومخيميهما في الضفة الغربية، في واحدة من أطول وأعنف حملات التصعيد العسكري التي تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ عقود. فاليوم يدخل الحصار الإسرائيلي على مدينة طولكرم ومخيمها يومه الـ115، بينما يستمر لليوم الـ102 على مخيم نور شمس المجاور، وسط تصعيد ميداني واسع النطاق يعكس تحولًا نوعيًا في سياسة الاحتلال على الأرض.

اقتحامات يومية

في طولكرم، تُستخدم تكتيكات عسكرية تشمل الاقتحامات اليومية، والمركبات المدرعة، والآليات الثقيلة التي تجوب الشوارع الرئيسة ليلاً ونهاراً، مع إطلاق صفارات الإنذار واستعمال أبواق السيارات بشكل استفزازي لترهيب السكان. تُنصب الحواجز بشكل دائم في مداخل المدينة، وخصوصاً في شارع نابلس ودوار شويكة، مما يُقيّد الحركة ويعزل السكان عن محيطهم.

وخلال الساعات الأولى من فجر اليوم، اقتحمت وحدات المشاة التابعة للاحتلال حي ذنابة شرق المدينة، انطلاقاً من مخيم نور شمس، ونفذت عمليات تمشيط وتفتيش مكثفة انتهت باعتقال الشاب عمارة مرعي من حي الرشيد. وتزامن ذلك مع استمرار القصف والاشتباكات المتقطعة داخل المخيم، ودوي انفجارات يُعتقد أنها ناتجة عن تفجيرات هندسية في منطقة الأحراش، من دون توضيح رسمي للأهداف أو الدوافع.

حصار خانق

تشير تقارير ميدانية إلى أن الاحتلال يفرض حصارًا خانقًا على مخيمي طولكرم ونور شمس، عبر جدران إسمنتية وسواتر ترابية تغلق الأزقة والمداخل، مما حوّل المنطقة إلى أشبه بثكنة عسكرية معزولة عن العالم الخارجي. وخلال الأيام الماضية، تم استهداف أكثر من 20 مبنى سكنيًا في مخيم نور شمس، ضمن خطة هدم شاملة تسعى إلى إزالة 106 مبانٍ، في إطار سياسة تهدف إلى إعادة تشكيل المخيمات جغرافيًا بما يخدم أمن الاحتلال.

وفي المقابل، استمر الاحتلال في تحويل منازل المدنيين في شارع نابلس والحي الشمالي إلى نقاط عسكرية بعد تهجير سكانها بالقوة. وتُستخدم هذه المواقع كمراكز مراقبة وكمائن، وهو نهج ينسجم مع استراتيجية الاحتلال طويلة الأمد في تحويل المناطق المدنية إلى بيئات خاضعة للسيطرة التامة.

تدمير ممنهج

العدوان الإسرائيلي في طولكرم أدى حتى الآن إلى استشهاد 13 فلسطينيًا، بينهم طفل وامرأتان، إحداهما كانت حاملاً في شهرها الثامن. كما تسببت العمليات في تدمير أكثر من 400 منزل بشكل كلي، و2573 منزلًا جزئيًا، إلى جانب نهب وحرق ممتلكات ومركبات مدنية.

أما في جنين، فقد بلغ العدوان يومه الـ121، حيث تتكرر المشاهد ذاتها من حصار، واقتحامات، وعمليات تدمير ممنهج للبنية التحتية. فقد اقتحمت القوات الإسرائيلية الحي الشرقي للمدينة بعد فجر اليوم، واعتقلت مواطنين اثنين من داخل مقهى في الحي بعد محاصرته وتفتيشه. وفي بلدة قباطية، أصيب شاب برصاص الاحتلال، بينما دمرت القوات شبكات المياه والكهرباء، واقتحمت عدة مبانٍ حولتها إلى ثكنات عسكرية.

تُقدّر بلدية جنين أن الاحتلال دمّر 120 كيلومترًا من الشوارع، و42 كيلومترًا من شبكات المياه، و99 كيلومترًا من شبكات الصرف الصحي داخل المخيم، الذي لا تتجاوز مساحته نصف كيلومتر مربع. كما شق الاحتلال أكثر من 15 شارعًا داخليًا، في محاولة لتفكيك النسيج العمراني للمخيم والسيطرة على مسارات الحركة فيه.

وفي تصعيد آخر، فجرت قوات الاحتلال منزل الشهيد عبد القادر القواسمي في مدينة الخليل للمرة الثانية، بعد أن حاصرت عدة أحياء في المدينة، ونصبت حواجز عسكرية على مداخلها، مما تسبب في مزيد من التوتر والفوضى. وقد سبق أن هُدم منزل القواسمي لأول مرة في يناير 2024، ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق عائلات الشهداء.

ووفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تم توثيق 73 عملية هدم خلال شهر أبريل وحده، طالت 152 منشأة فلسطينية، منها 96 منشأة مأهولة بالسكان، و34 منشأة زراعية، شملت محافظات الخليل وطوباس والقدس.

ما تشهده مدن الضفة ومخيماتها لا يُعد مجرد عمليات أمنية، بل هو نمط من الحصار العسكري المعزز بتدمير شامل للبنى التحتية والحياة اليومية، بما يخلق واقعًا ديموغرافيًا وجغرافيًا جديدًا. هذه السياسة لا تهدف فقط إلى السيطرة الأمنية، بل إلى تفكيك المقاومة المجتمعية وتهجير السكان بصمت تحت ضغط الحصار والعنف الممنهج.

في ظل الصمت الدولي، تبدو هذه العمليات وكأنها اختبار لحدود التحمل الفلسطيني، ومساحة الغضب العربي والعالمي. لكنها أيضًا تؤكد أن إرادة الاحتلال لا تكتفي بالسيطرة، بل تسعى لإعادة صياغة المكان والذاكرة، على أنقاض المخيمات وأجساد الشهداء.