اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

«سي آي إيه»: الصين تهديد وجودي والريادة التكنولوجية باتت معركة أمن قومي

الصين
الصين

في مقابلة نادرة، كشف مايكل إليس، نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، عن ملامح التحول الاستراتيجي الجذري الذي تتبناه الوكالة في عهد قيادتها الجديدة، مؤكداً أن التفوق التكنولوجي في مواجهة الصين أصبح يمثل "الأولوية القصوى" للوكالة. ويأتي هذا التحول ضمن رؤية أوسع لإعادة هيكلة المؤسسة الاستخباراتية، عبر مراجعة مهامها وتكتيكاتها بما ينسجم مع التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الجديدة.
يشير إليس إلى أن المنافسة مع الصين تجاوزت الأبعاد العسكرية التقليدية، لتتحول إلى صراع وجودي يتمركز حول التفوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والرقائق الدقيقة، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا البطاريات. هذا التقييم يعكس إدراكًا عميقًا بأن الأمن القومي الأميركي بات مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بقدرة شركاته التقنية على الحفاظ على الريادة في هذه المجالات الحساسة.
في سياق هذا الصراع، أبدت الـ CIA اهتمامًا غير مسبوق بدعم القطاع الخاص الأميركي، ليس فقط عبر جمع المعلومات الاستخباراتية، بل من خلال تقديم الحماية والتوجيه الاستراتيجي، بما يحفظ "التميز التكنولوجي" للولايات المتحدة. وهذا التوجه يفتح الباب أمام تعاون أكثر انفتاحًا بين الوكالة وشركات التكنولوجيا الكبرى، في محاولة لمحاكاة نماذج النجاح مثل تجربة إيلون ماسك، الذي دعا إليس لزيارة مقر الوكالة، في دلالة رمزية على التقارب بين الاستخبارات والابتكار.
وعلى الرغم من هذا التركيز على الصين، لم يغفل إليس الإشارة إلى استمرار التهديدات الأخرى، مثل روسيا، التي تظل لاعبًا رئيسيًا في ساحة الصراع الاستخباراتي، إضافة إلى دول مثل إيران وكوريا الشمالية، التي تمثل تحديات إقليمية مستمرة.

حرب تقنية


يأتي هذا التصعيد في وقت حسّاس، إذ تراجعت إدارة الرئيس دونالد ترمب مؤخرًا عن قيود على تصدير أشباه الموصلات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي إلى الصين، رغم التحذيرات الرسمية من أن استخدام شرائح صينية متقدمة — خصوصًا منتجات شركة "هواوي" مثل شرائح Ascend — قد يعرض الشركات الأميركية لعقوبات جنائية وإدارية صارمة. هذه الازدواجية في القرار تعكس تناقضات في السياسة الأميركية بين اعتبارات السوق وضرورات الأمن القومي.
وفي موازاة التصعيد ضد الصين، لفت إليس إلى نية الوكالة تكثيف جهودها ضد شبكات الجريمة المنظمة، مثل عصابات المخدرات، ما يشير إلى مقاربة أكثر شمولية للأمن تشمل التهديدات العابرة للحدود.

الحرب الباردة


كما شدد على الحاجة لتحديث أدوات وتقنيات الوكالة، التي لا تزال تعتمد في بعض جوانبها على أساليب تعود إلى الحرب الباردة، وهي أساليب أصبحت أقل فعالية في ظل تطور تكنولوجيا المراقبة لدى الخصوم. من هنا، دعا إليس إلى تعزيز الكوادر البشرية داخل الوكالة بكفاءات جديدة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، في إشارة إلى أن معركة المستقبل تدار بعقول مبرمجة ومهندسين، لا فقط بعملاء ميدانيين.
باختصار، يعكس هذا التحول داخل CIA إدراكًا بأن حروب القرن الحادي والعشرين لا تُخاض بالأسلحة فقط، بل بالبيانات والخوارزميات والشرائح الدقيقة. وهي معركة تضع التكنولوجيا في قلب الصراع الجيوسياسي، وتعيد رسم خريطة الأمن القومي الأميركي بأدوات أكثر ذكاءً، وأكثر شراكة مع القطاع الخاص.