معركة المياه.. تصعيد هندي باكستاني جديد يهدد بتفجير أزمة إقليمية

في تصعيد جديد ينذر بعواقب جيوسياسية عميقة في جنوب آسيا، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن بلاده ستمنع تدفق المياه إلى باكستان من الأنهار التي ترى نيودلهي أنها صاحبة الحق في استخدامها، في خطوة تمثل تحولاً خطيراً في طبيعة التوتر القائم بين البلدين، من المواجهات العسكرية المحدودة إلى التلويح بسلاح المياه.
جاءت تصريحات مودي خلال فعالية عامة، حيث شدد على أن باكستان "ستدفع ثمناً باهظاً لكل هجوم إرهابي"، في إشارة إلى اتهامات متكررة من قبل الهند لإسلام آباد بدعم جماعات مسلحة تستهدف مصالحها، لاسيما في إقليم كشمير المتنازع عليه. وأضاف مودي أن الثمن "سيدفعه الجيش والاقتصاد الباكستاني"، وهو ما يعكس توجهاً لتوسيع دائرة الردود الهندية لتشمل أدوات اقتصادية وبيئية.
التصعيد مستمر
تصريحات مودي جاءت عقب هجوم دامٍ في 22 أبريل في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، أودى بحياة 26 شخصاً، معظمهم من السياح الهندوس، وهو الهجوم الذي حملت نيودلهي مسؤوليته لباكستان، بينما نفت إسلام آباد أي صلة به. على إثر الهجوم، قررت الهند تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الموقعة عام 1960، والتي توسط فيها البنك الدولي، وتعد من أكثر الاتفاقيات المائية استقراراً في العالم.
تعليق المعاهدة شكل سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الهندية الباكستانية، إذ توفر أنهار السند وروافده التي تنبع من الأراضي الهندية نحو 80% من احتياجات الزراعة الباكستانية. ولذلك، فإن التلويح الهندي باستخدام المياه كورقة ضغط استراتيجي يُفسَّر في إسلام آباد كعمل عدائي مباشر.
عواقب وخيمة
رد باكستان لم يتأخر، وجاء بصوت المؤسسة العسكرية التي تُعد اللاعب الأبرز في معادلة القرار الأمني والسياسي. فقد حذر المتحدث باسم الجيش الباكستاني الفريق أحمد شريف شودري من أن أي محاولة لقطع المياه ستؤدي إلى "عواقب تدوم لأجيال"، واصفاً الأمر بأنه "عمل مجنون" وتهديد وجودي لأكثر من 240 مليون نسمة.
رغم نجاح جهود دبلوماسية في التوصل إلى وقف إطلاق النار في 10 مايو، يظل الوضع هشاً، وفق ما تؤكده تحليلات دبلوماسية. التوتر القائم اليوم يتجاوز مجرد مواجهة حدودية، ليصل إلى قلب الصراع على الموارد الحيوية، ويضع اتفاقية مياه السند، التي صمدت حتى خلال الحروب الكبرى بين البلدين، أمام اختبار وجودي غير مسبوق.
تحول عقيدة الردع الهندية
التصعيد الأخير يكشف تحولاً في عقيدة الردع الهندية، حيث لم تعد تقتصر على الرد العسكري بل امتدت لتشمل أدوات غير تقليدية كالضغط المائي والاقتصادي، في حين تنظر باكستان إلى المياه بوصفها قضية أمن قومي لا تقل خطورة عن السيادة الترابية.
في ظل التغيرات المناخية العالمية وتنامي أزمة الأمن المائي في جنوب آسيا، فإن هذا التصعيد ينذر بكارثة إنسانية وسياسية ما لم يتم احتواؤه عبر وساطة دولية فعّالة. فالمياه التي كانت تُدار لعقود عبر الدبلوماسية، قد تتحول إلى شرارة لحرب طويلة الأمد ما لم تتراجع الأطراف عن حافة الهاوية.