لا غذاء اليوم.. مؤسسة غزة توقف توزيع المعونات وسط تفاقم الأزمة

تشهد غزة تصاعداً خطيراً في التداخل بين الجهود الإنسانية والمخاطر الأمنية، بعدما أعلنت "مؤسسة غزة الإنسانية" – المدعومة أميركياً وإسرائيلياً – تعليق عملياتها وتوزيع المساعدات في القطاع حتى إشعار آخر، مطالبة المدنيين بالابتعاد عن مواقعها "حفاظاً على سلامتهم". هذا القرار يأتي في أعقاب سلسلة من الحوادث الدموية التي أطلقت فيها القوات الإسرائيلية النار على حشود فلسطينية كانت تتجمع للحصول على الغذاء، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
تفاصيل الإغلاق وسياقه الأمني
بدأت المؤسسة عملها مؤخراً بتوزيع وجبات غذائية وسط كارثة إنسانية خانقة، لكنها علّقت نشاطها الأربعاء بعد ثلاث حوادث متتالية سقط خلالها عشرات القتلى قرب أحد مراكزها في رفح. ورغم إعادة فتح موقعين فقط من أصل أربعة في اليوم التالي، عادت لتقرر الإغلاق الكامل، مشيرة إلى أنها تحاول الضغط على الجيش الإسرائيلي لتحسين إجراءات حماية المدنيين في محيط نقاط التوزيع.
الجيش الإسرائيلي من جهته، صنّف محيط المراكز بأنها "مناطق قتال"، وحذر المدنيين من الاقتراب، مبرراً إطلاق النار باعتباره استجابة "لتهديدات أمنية"، وهي رواية لم تنجح في تهدئة الانتقادات، خصوصاً بعد تأكيد اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن قوات الاحتلال قتلت 27 مدنياً في يوم واحد فقط، فيما أفاد المكتب الإعلامي في غزة بسقوط أكثر من 100 ضحية خلال ثلاثة أيام.
فوضى توزيع المساعدات
يصف شهود عيان أن توزيع المساعدات في بعض المواقع كان يتم وسط فوضى وانعدام للتنظيم، دون رقابة واضحة على هوية المستفيدين أو آلية التوزيع. غابت الجهات الإنسانية التقليدية، وحلّت محلها مؤسسة ذات ارتباطات سياسية وأمنية، ما أثار غضباً لدى منظمات إغاثية، خصوصاً الأمم المتحدة، التي رفضت التعاون معها، متهمة إياها بانعدام الحياد وتسييس العمل الإنساني.
مؤسسة محل جدل
"مؤسسة غزة الإنسانية" التي ظهرت فجأة كفاعل رئيسي في مشهد الإغاثة، تتجاوز في عملها القنوات التقليدية المعترف بها دولياً. تستعين بشركات أمنية أميركية خاصة، وتتحرك خارج تنسيق الأمم المتحدة، ما دفع منتقدين للقول إنها تساهم في عسكرة الإغاثة وتخلق شبكة توزيع منفصلة عن المعايير الدولية، بل وتستخدم كأداة نفوذ سياسي في منطقة صراع.
في المقابل، تدافع المؤسسة عن نفسها بالقول إنها كانت توزع المساعدات بأمان حتى تدخل الجيش الإسرائيلي، وتؤكد أن وجودها جاء استجابة لحالة الجوع الشديد بعد تعطل مسارات الأمم المتحدة التقليدية، لكنها لم تنفِ علاقتها بدوائر أميركية وإسرائيلية.
البعد السياسي والعسكري
يأتي هذا المشهد في ظل تصعيد عسكري إسرائيلي متجدد منذ مارس 2025، بعد انهيار هدنة استمرت شهرين في الحرب المستمرة منذ هجوم 7 أكتوبر 2023. ويبدو أن إسرائيل تحاول إعادة تشكيل المشهد الإنساني في غزة ضمن استراتيجيتها العسكرية، عبر خلق أدوات ميدانية بديلة – مثل مؤسسة غزة الإنسانية – تتحرك تحت غطاء الإغاثة، لكنها تؤدي أدواراً أوسع بكثير من توزيع الغذاء.
تحولت مراكز توزيع المساعدات في غزة من نقاط إنقاذ إلى مواقع اشتباك ميداني وموت علني. تداخل الإغاثة مع السياسة والأمن أصبح سمة بارزة للأزمة الإنسانية، حيث فقد المدنيون الثقة في الجهات المقدمة للمساعدات، سواء بسبب الانحياز السياسي أو الخطر العسكري. وتكشف هذه الحوادث عن فشل المجتمع الدولي في حماية آليات العمل الإنساني، وترك الفلسطينيين فريسة للجوع والنيران في آنٍ معاً.