كارثة.. تعليق المساعدات في غزة وتصويت أممي لوقف إطلاق النار

تشهد غزة واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا منذ اندلاع الحرب، حيث تداخلت المساعدات الإنسانية مع النزاعات العسكرية، مما أدى إلى مآسٍ دامية في مواقع توزيع المساعدات، التي باتت توصف بـ"أفخاخ الموت" من قبل السكان المحليين. وتتصاعد المخاوف من تدهور الأوضاع وسط اتهامات متبادلة بين الجيش الإسرائيلي ومؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة، والتي علّقت عملياتها، الأربعاء، حفاظًا على سلامة المدنيين بعد مجازر ارتُكبت في محيط مواقعها.
المشهد الميداني.. مساعدات تحت الرصاص
في يوم دامٍ، أقرّ الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على فلسطينيين قرب موقع لتوزيع المساعدات تابع لمؤسسة "غزة الإنسانية"، مبررًا فعلته بوجود تهديد أمني. لكن النتيجة كانت مروعة: أكثر من 100 قتيل في غضون ثلاثة أيام، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فيما أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مقتل 27 فلسطينياً على الأقل في حادثة واحدة، إلى جانب عشرات الجرحى.
الفوضى في مواقع التوزيع كانت لافتة؛ إذ وصف شهود عيان المشهد بالانفلات، حيث لا إشراف على تسليم المساعدات، ولا تحقق من الهويات، ما أدى إلى تدافع عشوائي جعل المدنيين أهدافًا سهلة في منطقة عسكرية متوترة.
مؤسسة جديدة في مرمى الشكوك
تُعد "مؤسسة غزة الإنسانية" فاعلًا جديدًا في مشهد الإغاثة، وقد بدأت عملها في القطاع قبل أسبوع فقط. وبرغم توزيعها أكثر من 7 ملايين وجبة، تواجه المؤسسة انتقادات شديدة من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، تتهمها بعدم الحياد، وربط الإغاثة بالوجود العسكري. كما أن اعتماد المؤسسة على شركات أمنية أمريكية خاصة زاد من الشكوك بشأن طبيعة عملياتها ودورها الحقيقي في القطاع.
المؤسسة بدورها طلبت من الجيش الإسرائيلي توجيه حركة المدنيين وتقديم ضمانات أمنية، لكنها أوقفت عمليات التوزيع إثر المجزرة، مؤكدة أن سلامة المدنيين "أولوية قصوى".
إسرائيل ومخاوف التسلل الأمني
من جانبها، تبرر إسرائيل ما حدث بوجود مخاوف أمنية، وتُحمّل حماس مسؤولية "سرقة المساعدات" و"تعريض المدنيين للخطر"، وهي اتهامات تنفيها الحركة باستمرار. وتعتبر تل أبيب أن بعض مناطق توزيع المساعدات تقع في "مناطق قتال"، ما يجعل التحرك نحوها مخاطرة غير محسوبة، وفق المتحدث العسكري الإسرائيلي.
الدولي ومشروع قرار مرتقب
وسط هذه الفوضى، يُنتظر أن يصوت مجلس الأمن، الأربعاء، على مشروع قرار يطالب بـ"وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار"، إلى جانب الإفراج عن الرهائن، ورفع جميع القيود على دخول المساعدات وتوزيعها دون عوائق.
ولا يزال موقف الولايات المتحدة غامضًا بشأن التصويت، خاصة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي أظهرت ميلًا لتخفيف الضغوط على إسرائيل في الفترة الأخيرة، ما يثير احتمال استخدام الفيتو الأمريكي مجددًا لإجهاض القرار.
وفي تصريح لافت، وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، النظام الحالي لتوزيع المساعدات بأنه "كارثة محققة"، داعيًا إلى تغيير جوهري في طريقة تقديم الدعم الإنساني للمدنيين في غزة.
خطر المجاعة يلوح
مع تجاوز عدد السكان في غزة حاجز 2.1 مليون نسمة، وفي ظل انهيار البنية التحتية، وتحول المساعدات إلى مصدر خطر، يحذّر الخبراء من مجاعة تلوح في الأفق. ومع استمرار الانقسام السياسي، وانعدام الثقة بين الأطراف الدولية والمحلية، تصبح احتمالات الحل الإنساني أكثر ضبابية، ومرهونة بإرادة سياسية غير متوفرة حتى الآن.