جنين تحت الحصار.. عدوان إسرائيلي مستمر وآثار إنسانية مدمرة

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها العسكري المكثف على مدينة جنين ومخيمها لليوم الـ118 على التوالي، في واحدة من أطول العمليات الهجومية المتواصلة في الضفة الغربية منذ سنوات. وقد شهد صباح اليوم الأحد تصعيدًا جديدًا تمثل في إدخال تكتيكات عسكرية إضافية إلى المخيم ومحيطه، وسط انتشار واسع لفرق الدفاع المدني في عدد من أحياء المدينة، في مشهد يعكس حجم الدمار المتسارع وخطر التصعيد الأمني.
التدمير الممنهج والتغيير القسري للمعالم
بدأت قوات الاحتلال صباح اليوم بإطلاق كثيف للرصاص الحي تجاه مخيم جنين، بعد أن أنهت سلسلة عمليات تجريف وتفجير ممنهجة استهدفت البنية التحتية والمعمارية للمخيم. وتشير المعطيات إلى تدمير نحو 600 منزل بشكل كامل، فيما تعرضت مئات المنازل الأخرى لأضرار جسيمة أفقدتها صلاحية السكن. وقد ترافقت هذه العمليات مع استمرار منع الدخول أو الخروج من المخيم، مما يعزز فرضية السعي إلى فرض تغيير ديموغرافي ومعماري قسري، تحت غطاء "إعادة الإعمار" وفقًا لما قيل إنها "مواصفات بلدية جنين".
انتهاكات يومية واعتقالات مستمرة
لم تقتصر العمليات العسكرية على المخيم فحسب، بل امتدت إلى قرى ومناطق محيطة بمحافظة جنين، في اقتحامات شبه يومية تشمل تفتيش المنازل، واعتقال المواطنين، وإطلاق قنابل الصوت والرصاص الحي. وقد اعتقلت قوات الاحتلال صباح اليوم الأسيرة المحررة ياسمين شعبان من منزلها في قرية الجلمة شمال جنين، في إطار حملة اعتقالات متواصلة تطال شخصيات مدنية وناشطين.
كما شهدت منطقة "دوار الحصان" عند مدخل المخيم أمس، إصابة مسن وشاب برصاص الاحتلال الحي، في استمرار لاستهداف المدنيين دون مبرر، ما يفاقم من حالة الرعب وعدم الأمان بين السكان.
نزوح جماعي وأزمة إنسانية متصاعدة
أدت هذه العمليات العسكرية إلى تهجير جماعي قسري من المدينة والمخيم، حيث تشير تقديرات بلدية جنين إلى أن عدد النازحين حتى الآن تجاوز 22 ألف شخص، وسط ظروف إنسانية صعبة، ونقص حاد في المأوى والخدمات الأساسية. وتبقى العائلات النازحة دون أفق واضح للعودة، في ظل استمرار الاعتداءات وتعقيد الوضع الأمني.
الانهيار الاقتصادي ودمار النسيج التجاري
اقتصاديًا، تعاني مدينة جنين من شلل شبه كامل، خاصة في قطاعها التجاري. فقد أدى القصف المستمر وعمليات التجريف إلى تدمير عشرات المحال التجارية، وإغلاق العديد من الأسواق، وانقطاع الزبائن القادمين من خارج المدينة. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر الاقتصادية تجاوزت 300 مليون دولار، مع تضرر خاص للمنطقة الغربية التي كانت مركزًا تجاريًا نشطًا قبل العدوان.
خسائر بشرية فادحة ومعاناة متواصلة
منذ بداية هذا العدوان في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، ارتقى نحو 40 شهيدًا، إلى جانب عشرات الجرحى والمعتقلين. وتزداد حصيلة الضحايا يومًا بعد يوم مع استمرار العمليات، وسط صمت دولي وعجز إنساني عن وقف الانتهاكات.
تكشف المعطيات الواردة أن ما يجري في جنين ليس مجرد عملية أمنية محدودة، بل يدخل في إطار استراتيجية إسرائيلية أوسع لإعادة تشكيل الواقع السكاني والجغرافي في شمال الضفة الغربية، عبر العنف العسكري والتدمير الممنهج. وتتجاوز آثار العدوان البعد الأمني، لتشمل كارثة إنسانية واقتصادية، يرزح تحتها عشرات الآلاف من المدنيين، في ظل غياب واضح لأي تحرك دولي فاعل يضع حدًا لهذا التصعيد المستمر.