اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

الانتخابات الرئاسية في رومانيا تهدد بتوسيع خلافات الاتحاد الأوروبي

رومانيا
رومانيا

تشهد رومانيا لحظة سياسية حاسمة، حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية وسط سباق محتدم بين مرشحين يمثلان رؤيتين متناقضتين لمستقبل البلاد، بل وربما لمستقبل أوروبا الوسطى بأسرها. هذه الجولة ليست مجرد استحقاق انتخابي داخلي، بل معركة رمزية على توجه رومانيا السياسي، وانعكاس لما يحدث من تحولات أيديولوجية أوسع نطاقًا في قلب الاتحاد الأوروبي.
المرشح الأوفر حظًا في الجولة الأولى، جورجي سيميون، يمثل التيار اليميني القومي المتشدد الذي يزداد صعوده في أوروبا. يبلغ من العمر 38 عامًا، وهو معروف بخطابه الحاد ضد الاتحاد الأوروبي وبموقفه الرافض للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، ما يعكس توجهًا انعزاليًا يتحدى التوجه الغربي الذي سارت عليه رومانيا منذ انضمامها للاتحاد الأوروبي عام 2007. فوز سيميون في الجولة الأولى أدى إلى انهيار الحكومة الائتلافية المؤيدة للغرب، وهو تطور يعكس هشاشة التحالفات السياسية في وجه المد الشعبوي، وأدى إلى هروب رؤوس الأموال وتزايد المخاوف من عزلة دولية قد تؤثر على اقتصاد البلاد المتعثر.

العقلانية والاعتدال

في الجهة المقابلة، يقف نيكوشور دان، رئيس بلدية بوخارست البالغ من العمر 55 عامًا، كصوت العقلانية والاعتدال. دان محسوب على التيار الوسطي المستقل، وهو داعم صريح للاتحاد الأوروبي ولحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويرى أن دعم أوكرانيا ليس فقط التزامًا أخلاقيًا، بل ضرورة استراتيجية في ظل التهديد الروسي المتنامي في شرق أوروبا. كما يشدد على مكافحة الفساد المستشري، ما يضعه في مواجهة مباشرة مع شبكات المصالح التي غالبًا ما تغذي الشعبوية.
لا تقتصر أهمية هذه الانتخابات على الداخل الروماني فقط، بل تتجاوزها إلى تداعيات جيوسياسية تمس استقرار الاتحاد الأوروبي بأسره. فرئيس رومانيا يتمتع بصلاحيات واسعة، منها الإشراف على السياسة الخارجية وقيادة مجلس الدفاع المسؤول عن قرارات المساعدات العسكرية، إلى جانب امتلاكه حق النقض في تصويتات الاتحاد الأوروبي التي تتطلب الإجماع. هذا يعني أن انتخاب رئيس قومي متشدد قد يعطل مشاريع الاتحاد الأوروبي في ملفات حرجة مثل أوكرانيا والدفاع الجماعي.

الاستقطاب السياسي

المفارقة أن هذه الانتخابات تتزامن مع الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في بولندا، حيث يخوض السباق مرشحان يمثلان أيضًا الاستقطاب السياسي ذاته: رافاو تراسكوفسكي، المؤيد للاتحاد الأوروبي، وكارول نافروتسكي، المحافظ القومي. أي أن أوروبا الوسطى قد تشهد تمددًا إضافيًا لموجة التشكيك في جدوى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة وتماسك التكتل الأوروبي، خاصة إذا ما أضيفت نتائج رومانيا إلى المعسكر القومي الذي تقوده حاليًا حكومتا المجر وسلوفاكيا.
ويبرز في هذا السياق تعليق لافت للمؤرخ والمحلل السياسي إيون م. يونيتا، الذي يشير إلى أن القوميين لا يسعون للخروج من الاتحاد الأوروبي بالضرورة، بل يسعون إلى "تفكيكه من الداخل"، بتحويله إلى كيان فضفاض يخضع لقرارات وطنية بدلًا من التشريعات الموحدة، مع الاستمرار في استغلال التمويل الأوروبي. وهو توجه يُعد بمثابة إفراغ لفكرة الاتحاد من جوهرها.
ويزيد من تعقيد المشهد أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت تقدم نيكوشور دان بفارق طفيف لأول مرة منذ بداية السباق، ما يجعل نسبة الإقبال على التصويت وخاصة من الجاليات الرومانية في الخارج، عاملاً حاسمًا في ترجيح كفة أحد الطرفين. فالجاليات الرومانية، التي تتوزع بكثافة في دول أوروبية كألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، تميل تقليديًا إلى دعم التيارات المؤيدة للاتحاد الأوروبي، وهي تحظى بتأثير واضح في السباقات الانتخابية السابقة.


وفي هذا السياق، حذّر محللون من أن فوز سيميون قد يعزل رومانيا عن جيرانها الأوروبيين، ويهدد استقرار الجناح الشرقي لحلف الناتو، في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية الإقليمية، خاصة في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا والتوترات مع روسيا.
إنها لحظة فاصلة لرومانيا، ولأوروبا أيضًا. فالخيار بين الاستمرار في طريق الشراكة الأوروبية أو الانكفاء إلى الداخل القومي هو خيار له ما بعده، اقتصاديًا، أمنيًا، وسياسيًا. وستكون نتائج هذه الانتخابات بمثابة مؤشر دقيق لمدى صمود المشروع الأوروبي أمام رياح الشعبوية المتصاعدة.

موضوعات متعلقة