تقارب ترمب مع دمشق.. كيف أعاد رسم خطوط النار الإسرائيلية في سوريا؟

شهدت السنوات الماضية تصعيدًا غير مسبوق في الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي تجاوزت 700 هجوم عقب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024. لكن في تحول لافت، تراجعت وتيرة هذه العمليات مؤخرًا، في تطور يعكس إعادة تشكيل واضحة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي.
وبحسب تقرير موسّع نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن السبب الأبرز لهذا التراجع يكمن في اللقاء المفاجئ الذي جمع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، وهو لقاء لم يغيّر فقط مسار العلاقات بين واشنطن ودمشق، بل أثّر جوهريًا على الحسابات الأمنية والعسكرية لتل أبيب.
ترمب، الذي تبنّى خطابًا تصالحياً تجاه النظام السوري الجديد، أعلن عن نية إدارته رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، وقدم للشرع ما اعتبرته الصحيفة "غصن زيتون" مفاجئاً أعاد خلط أوراق السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وقلّص هامش المناورة الإسرائيلي في الساحة السورية.
إسرائيل تفقد زمام المبادرة
منذ سقوط الأسد، تحركت إسرائيل سريعًا لتأمين حدودها الشمالية، ونفّذت حملة عسكرية كثيفة هدفت إلى تدمير البنية التحتية العسكرية السورية، ومنع نقل الأسلحة إلى فصائل تعتبرها "معادية"، لا سيما في الجنوب الغربي من سوريا المحاذي لمرتفعات الجولان.
وشملت هذه الحملة تدمير البحرية السورية، والطائرات المقاتلة، والطائرات المسيَّرة، ومخازن الأسلحة، ومراكز تصنيع الصواريخ والدفاعات الجوية. بل وصلت إحدى الغارات إلى أطراف القصر الرئاسي في دمشق، في رسالة مباشرة إلى الرئيس الجديد، أحمد الشرع.
ورغم هذا التصعيد، لم تبادر الحكومة السورية الجديدة إلى الرد، معلنة رغبتها في طيّ صفحة الحرب والانفتاح على علاقات سلمية مع مختلف الدول، وهو ما أضعف المبررات الأمنية التي اعتمدت عليها إسرائيل في حملتها.
الدروز والاعتبارات الداخلية
من المثير للاهتمام أن إسرائيل أعلنت مرارًا أن أحد دوافعها المعلنة لضرباتها في سوريا هو حماية الأقلية الدرزية هناك. ومع وجود نحو 150 ألف درزي داخل إسرائيل يشاركون في الجيش والحياة السياسية، أصبح الالتزام تجاه "الإخوة الدروز" جزءًا من الخطاب الرسمي.
ففي أبريل، وعندما اندلعت اشتباكات في السويداء بين مسلحين دروز وقوات موالية للنظام، عرضت إسرائيل التدخل لحماية الدروز، بل إن إحدى الغارات الجوية قرب القصر الرئاسي فُسّرت كتحذير مباشر للشرع بضرورة وقف الاعتداءات على هذه الطائفة.
لكن صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن محللين أن هذه الدوافع لا تغطي سوى جزء من الصورة، فحقيقة الحملة الإسرائيلية أعمق، وتتعلق بإعادة رسم خارطة النفوذ العسكري في سوريا بعد انهيار نظام الأسد.
تحديات جديدة أمام تل أبيب
يرى مسؤولون عسكريون سابقون في إسرائيل، من بينهم يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، أن المخاوف تتزايد من تحوّل سوريا إلى "نسخة جديدة من اليمن"، في إشارة إلى الحوثيين الذين باتوا يشكّلون تهديدًا إقليميًا بفعل النفوذ الإيراني.
ويضيف أميدرور أن أحد دوافع إسرائيل في تدخلها المكثف في سوريا هو الحد من النفوذ التركي، في ظل تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعزيز موطئ قدمه العسكري والسياسي في سوريا المجاورة.
الخشية الأكبر لدى الإسرائيليين تتمثل في أن تُنشئ فصائل متطرفة، سواء درزية أو مدعومة من أنقرة، قواعد عسكرية أو نقاط اشتباك قرب الجولان المحتل، ما قد يعرّض المستوطنات الإسرائيلية لهجمات مباشرة.
انقسامات داخل إسرائيل
المفارقة أن هناك أصواتًا داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بدأت تنتقد الاستراتيجية الحالية، على غرار تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، الذي أبدى قلقه من أن تؤدي الغارات إلى تغذية التطرف بدلاً من احتوائه.
وقال هايمان: "علينا إعادة النظر في كل هذه المهام... لا نريد أن نخلق بأنفسنا البيئة التي نحاول ردعها".
التطورات لم تمرّ دون ردّ دولي، إذ انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الغارات الإسرائيلية صراحة بعد لقائه بالرئيس الشرع، معتبرًا أن "ضمان أمن إسرائيل لا يجب أن يأتي على حساب سيادة سوريا".
ويبدو أن الموقف الأوروبي بات أكثر ميلاً لاحتضان الحكومة السورية الجديدة، أملاً في احتواء الفوضى في المنطقة، ودفع عملية إعادة الإعمار والاستقرار.
أي مستقبل للمعادلة السورية – الإسرائيلية؟
التحول في العلاقات الأميركية السورية ألقى بثقله على الاستراتيجية الإسرائيلية، التي وجدت نفسها فجأة في مواجهة نظام غير عدائي، مدعوم دوليًا، ويبدو أكثر انفتاحًا على السلام من سلفه.