600 يوم من الأسر.. مظاهرات تل أبيب تفضح مأزق نتنياهو بين الحرب والرهائن

في مشهد يعكس عمق الانقسام الداخلي في إسرائيل، تظاهر آلاف الإسرائيليين مساء الأربعاء في "ساحة الرهائن" وسط تل أبيب، احتجاجاً على استمرار الحرب في غزة، والمطالبة بالإفراج الفوري عن الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس" منذ 7 أكتوبر 2023، والذين دخلوا يومهم الـ600 في الأسر، وسط غموض مصيرهم، وتآكل الأمل الشعبي في عودتهم أحياء.
الحدث الذي اتخذ طابعًا إنسانيًا في الظاهر، حمل في باطنه رسائل سياسية ضاغطة، توجه أصابع الاتهام إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته، بالتهرب من التوصل إلى صفقة تبادل جدية، واستمرار الحرب لأغراض سياسية وشخصية.
صرخات من الساحة
منصة ساحة الرهائن لم تكن فقط مكانًا لترديد الشعارات، بل تحولت إلى منبر للشهادات المؤلمة. ألقت والدة الرهينة ألون أوهل كلمة اختلط فيها الغضب بالحزن، قالت فيها:
"600 يوم من دونكم 52 مليون ثانية وأنتم هناك في الظلمة"، في إشارة مؤلمة إلى زمن الأسر الطويل الذي يمر على الأهالي كدهر، بينما تقف الحكومة عاجزة – أو مترددة – عن اتخاذ قرارات مصيرية بشأنهم.
أما يائير هورن، أحد المحررين في صفقة فبراير، فقد روى تفاصيل مروعة عن ظروف الأسر تحت الأرض، حيث "الخوف لا ينام"، مشيراً إلى أن "كل لحظة قد تكون الأخيرة"، بينما لا يزال شقيقه إيتان مفقوداً في القطاع.
من الاحتجاج السلمي إلى المواجهة الأمنية
قبل انطلاق المظاهرة، تحوّلت بعض التحركات الاحتجاجية إلى مواجهات مع الشرطة، بعد أن أقدم محتجون غاضبون على اقتحام مقر حزب "الليكود" الحاكم وإغلاق الشوارع القريبة. وقد أسفرت الاشتباكات عن توقيف نحو 20 شخصاً، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت. هذا التصعيد في الاحتجاجات يعكس مدى الاحتقان الشعبي، وفقدان الثقة في القيادة السياسية، التي تبدو منشغلة بإطالة أمد الحرب أكثر من سعيها لاستعادة الرهائن.
رهائن أحياء.. على الورق فقط؟
بحسب مصادر إسرائيلية، لا يزال هناك 58 رهينة محتجزين في غزة، لكن التقديرات الأمنية تشير إلى أن معظمهم قد يكونون لقوا حتفهم، سواء خلال القصف أو لأسباب طبية وظروف الاحتجاز القاسية. هذا الواقع يعمّق المأساة الإنسانية ويضع الحكومة الإسرائيلية أمام خيارين أحلاهما مر: مواصلة الحرب دون أفق واضح، أو الدخول في صفقة مع حماس، قد تتطلب تنازلات ثقيلة.
نتنياهو في الزاوية الضيقة
تأتي هذه المظاهرات في لحظة حرجة لحكومة نتنياهو، التي تواجه تحديات داخلية لا تقل تعقيداً عن المعارك العسكرية في غزة. الضغوط السياسية والشعبية تتصاعد، خصوصاً مع اقتراب موسم الانتخابات الداخلية للحزب، وتراجع الدعم الشعبي لحكومة اليمين المتشدد.
الرهائن تحوّلوا من "رمز للوحدة الوطنية" إلى "رمز للفشل السياسي"، والاحتجاجات المستمرة تكشف أن الشارع الإسرائيلي بدأ يعيد النظر في كلفة الحرب، لا سيما مع غياب استراتيجية خروج واضحة.
ما يجري في تل أبيب ليس مجرد احتجاج عاطفي لعائلات مفجوعة، بل هو مؤشر على تحول المزاج العام في إسرائيل، من خطاب الانتقام والردع، إلى خطاب المراجعة والمساءلة. ومع مرور 600 يوم على مأساة الرهائن، تتعمق أزمة الثقة بين الشعب والقيادة، ويبدو أن نتنياهو يقترب من نقطة اللاعودة، ما لم يبادر إلى قرارات جريئة توقف النزيف السياسي والإنساني.