اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

”الطاقة الذرية”: برنامج إيران النووي معقد.. وتدميره يتطلب قوة مفرطة

البرنامج النووي
البرنامج النووي


أطلق المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل جروسي، تحذيرات صريحة تتعلق بتعقيدات البرنامج النووي الإيراني واحتمالات التصعيد الإقليمي، في مقابلة أثارت جدلاً واسعاً مع صحيفة جيروزاليم بوست. وتأتي تصريحاته في وقت يتسم فيه المشهد الجيوسياسي بالتوتر الحاد، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق المنطقة إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران على خلفية البرنامج النووي.

معضلة الردع والضربة الاستباقية

أبرز ما ورد في تصريحات جروسي هو تنبيهه من أن أي هجوم إسرائيلي محتمل على المنشآت النووية الإيرانية قد يكون له أثر عكسي خطير، يتمثل في دفع إيران إلى اتخاذ "قرار استراتيجي" بالمضي نحو إنتاج سلاح نووي فعلي، أو حتى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وأشار إلى أن طهران أوصلت هذه الرسالة إليه بشكل مباشر، ما يضفي بعدًا غير مسبوق من الصراحة على التصعيد الكلامي بين الأطراف. وفي هذا السياق، أوضح جروسي أن تدمير البرنامج النووي الإيراني يتطلب "قوة ساحقة"، بالنظر إلى الطابع المعقد والمحصن لكثير من منشآته، خاصة تلك المبنية تحت الجبال مثل موقعي فوردو ونطنز.

ويُعد هذا التصريح بمثابة تأكيد ضمني على محدودية الخيارات العسكرية المتاحة أمام إسرائيل، خاصة في ظل غياب القدرة على اختراق التحصينات العميقة، إذ لا تمتلك إسرائيل قنابل خارقة للأعماق مثل تلك التي طورتها الولايات المتحدة بوزن 30 ألف رطل.

مستوى التخصيب والخطر الكامن

من الناحية الفنية، أوضح جروسي أن إيران قد راكمت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تقربها كثيراً من مستوى 90% اللازم لصناعة سلاح نووي. ومع ذلك، شدد على أن الوصول إلى هذا المستوى لا يعني تلقائياً امتلاك قنبلة نووية، إذ تبقى هناك خطوات تقنية معقدة مطلوبة.

ورغم التأكيد على أن إيران لم تعبر العتبة التقنية بعد، فإن مجرد امتلاكها لهذه القدرات يعيد النقاش إلى "فجوة التخصيب"، وهي مصطلح يعكس قرب المواد من التحول إلى سلاح.

فجوات في الرقابة و"الثقة المحدودة"

أكثر ما يثير قلق الوكالة، حسب جروسي، هو فقدان القدرة على المراقبة الشاملة، بعد أن أوقفت إيران التعاون الكامل مع المفتشين. وقد أدى هذا إلى فجوة في المعلومات تجعل إصدار تقييمات دقيقة للوضع أمرًا بالغ الصعوبة. ورغم أن الوكالة لا تزال تحتفظ ببعض أدوات المراقبة، خصوصاً في مواقع التخصيب، إلا أن الرقابة على إنتاج وتطوير أجهزة الطرد المركزي أصبحت شبه معدومة.

ويثير هذا القلق تساؤلات جوهرية حول مدى نجاعة أي اتفاق نووي جديد، في حال تم توقيعه، إذا لم تتمكن الوكالة من ملء هذه الفجوات الرقابية. وقد عبّر جروسي عن رفضه لتحمّل مسؤولية توقيع وثيقة لا تعكس الواقع على الأرض، قائلاً: "لا يمكن أن يُطلب مني تقديم ضمانات ذات مصداقية إذا لم تكن لدينا المعلومات الكافية."

الآثار المشبوهة.. أين ذهب اليورانيوم؟

في تطور خطير، كشف جروسي عن عثور المفتشين على آثار يورانيوم مخصب في أماكن لم يُفترض أن تشهد أي نشاط نووي. واعتبر أن هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام أسئلة محورية: ما الذي كان يُجرى في تلك المواقع؟ وأين ذهبت المواد النووية التي تسببت في تلك الآثار؟

ورغم تقديم إيران لبعض التفسيرات، وصفها جروسي بأنها "غير مُرضية"، مما يعمق أزمة الثقة ويطرح شكوكًا جديدة حول النوايا الفعلية لطهران.

ازدواجية المعايير: البرنامج النووي الإسرائيلي تحت المجهر

في جانب آخر من المقابلة، فتح جروسي ملف البرنامج النووي الإسرائيلي الذي غالبًا ما يُستثنى من عمليات التفتيش الدولية. وأشار إلى أن منشأة "سوريك" البحثية تخضع لتفتيش الوكالة بموجب اتفاق "الضمانات الخاصة"، لكنه أكد أن هناك منشآت نووية استراتيجية إسرائيلية خارج نطاق الرقابة، مثل منشأة ديمونا، والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها مركز تطوير الأسلحة النووية الإسرائيلية غير المُعلنة.

ويُعد هذا التصريح لافتًا كونه المرة الأولى التي يقر فيها مسؤول أممي بمحدودية الرقابة على الأنشطة النووية في إسرائيل، مما قد يُستخدم حجة من قبل إيران لتبرير موقفها من المراقبة والاتهامات الغربية.

نحو مفترق طرق خطير

تكشف تصريحات جروسي عن مأزق دولي متفاقم: إيران تراكم المعرفة والمواد، لكنها لا تزال على مسافة من القنبلة. إسرائيل تلوّح بالخيار العسكري، لكنها تواجه تحديات تقنية كبيرة. والوكالة الدولية للطاقة الذرية محاصرة بين محدودية الوصول من جهة، وضغوط القوى الكبرى من جهة أخرى.

المفاوضات الجارية حالياً، كما كشف جروسي، بين المبعوث الأميركي الخاص ووزير الخارجية الإيراني، قد تمثل فرصة أخيرة لتفادي الانفجار. لكن دون إعادة بناء الثقة وتوسيع صلاحيات الرقابة الدولية، يبدو أن المسار الحالي يتجه إلى طريق مسدود.