الوكالة الذرية: إسرائيل تضرب العمود الفقري للتخصيب الإيراني

في تصعيد لافت للصراع بين إسرائيل وإيران، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة استهدفت منشأتين بالغتي الأهمية في البرنامج النووي الإيراني، وهما ورشة "تيسا كاراج" ومركز أبحاث طهران، وكلاهما متخصص في تصنيع مكونات وأجزاء أساسية لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
وفقًا لما نشرته الوكالة عبر منصة "إكس"، فقد أصيب مبنى في موقع طهران كان يُستخدم لتصنيع واختبار دوارات لأجهزة الطرد المركزي المتطورة، فيما جرى تدمير مبنيين في كاراج كانا مخصصين لتصنيع مكونات متعددة لهذه الأجهزة، ما يشير إلى محاولة ممنهجة لتعطيل البنية التحتية الأساسية لبرنامج التخصيب الإيراني.
وفي السياق ذاته، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن الهجمات، موضحًا أن أكثر من 50 مقاتلة، مدعومة بتنسيق استخباراتي دقيق، شنت ضربات على "أهداف عسكرية" داخل منطقة طهران. وأشار البيان إلى استهداف منشأة لصنع أجهزة الطرد المركزي، إضافة إلى مواقع لتصنيع صواريخ أرض-أرض وأخرى مضادة للطائرات من نوع أرض-جو، ما يوسع نطاق العملية من استهداف المنشآت النووية إلى البنية العسكرية التقليدية.
نطنز مجددًا في دائرة النيران
اللافت أن مجمع "نطنز" النووي – وهو قلب البرنامج النووي الإيراني – لم يكن بمنأى عن هذا التصعيد. فبعد تقييم أولي أشار إلى إصابة غير مباشرة، عادت الوكالة الدولية لتؤكد أن الهجوم أصاب محطة التخصيب تحت الأرض إصابة مباشرة، وأن المحطة التجريبية فوق الأرض قد دُمرت بالكامل.
وفي تصريح له، أوضح المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، أن أجهزة الطرد المركزي بالمجمع قد تكون تضررت بشدة نتيجة الضربات التي استهدفت البنية التحتية الكهربائية، وهو ما يعطل عملية التخصيب حتى وإن لم يُدمَّر الهيكل الفيزيائي للموقع.
الأبعاد الاستراتيجية والتداعيات المحتملة
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد حدة المواجهة غير المعلنة بين تل أبيب وطهران، إذ تسعى إسرائيل من خلال هذه الضربات إلى توجيه ضربة وقائية تمنع إيران من بلوغ العتبة النووية، وذلك قبل أن يتحول امتلاكها للبنية الكاملة لإنتاج الوقود النووي عالي التخصيب إلى أمر واقع يصعب احتواؤه.
من جانب آخر، يعكس تدخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أهمية هذه المواقع في هيكل البرنامج النووي الإيراني، ويطرح تساؤلات حول مستقبل عمليات التفتيش والضمانات، خاصة في ظل محدودية وصول المفتشين للمواقع المتضررة، ما قد يؤدي إلى حالة من التعتيم النووي ويقوض اتفاقات الضمانات القائمة مع إيران.
ومما لا شك فين أن الضربات الإسرائيلية لا تمثل مجرد هجوم عسكري تقليدي، بل تدخل في إطار استراتيجية شاملة لإبطاء – أو إفشال – البرنامج النووي الإيراني عبر استهداف البنية التحتية التقنية واللوجستية. ومع استمرار الوكالة الدولية في تقديم إفادات غير مكتملة نتيجة عدم قدرتها على التفتيش الميداني، يزداد الغموض حول حجم الضرر الفعلي، وسط مخاوف من أن يفتح هذا التصعيد الباب أمام ردود فعل إيرانية قد تهدد الاستقرار الإقليمي بأسره.