كيف نجحت إيران في تجاوز القبة الحديدية؟ تكتيك التشبع والخداع الإلكتروني يربك الدفاعات الإسرائيلية

في سياق المواجهة المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، فرضت الصواريخ نفسها كسلاح استراتيجي محوري، إذ تبادل الطرفان ضربات غير مسبوقة من حيث الحجم والنطاق خلال الأيام القليلة الماضية. ورغم أن إسرائيل لطالما افتخرت بنظامها الدفاعي "القبة الحديدية"، فإن تطورات الأزمة الأخيرة كشفت هشاشة هذا الدرع في مواجهة موجات هجوم معقدة ومتعددة الطبقات.
فعالية "القبة الحديدية" على المحك
سلّطت صحيفة إندبندنت البريطانية الضوء على الثغرات التي ظهرت في نظام "القبة الحديدية" الإسرائيلي، والتي عجزت هذه المرة عن صدّ جميع المقذوفات، رغم نجاحها المتكرر في التصدي لصواريخ أُطلقت من "حماس" و"حزب الله" في جولات سابقة.
النظام الذي صُمم لرصد واعتراض المقذوفات المتجهة إلى المناطق السكنية، لم يثبت قدرته الكاملة هذه المرة، لا سيما في حماية المدن الكبرى، مما أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول فاعليته. إذ أقرّ مسؤولون إسرائيليون في أكثر من مناسبة بأن النظام لا يوفر حماية بنسبة 100%، وهو ما أكده محللون أمنيون لاحقاً في ضوء الهجمات الإيرانية.
تكتيك التشبع الإيراني
الباحثة في معهد تشاتام هاوس، ماريون ميسمر، أوضحت أن القبة الحديدية "فعالة، ولكن ليست منيعة"، مشيرة إلى أن الرهان الإيراني استند إلى تكتيك "التشبع"، وهو إطلاق عدد كبير من الصواريخ دفعة واحدة بهدف إنهاك منظومة الاعتراض وتشتيت قدراتها.
هذه الاستراتيجية تعتمد على فرض "الحمل الزائد" على الدفاعات الجوية، ما يؤدي إلى تسرب صواريخ إلى أهدافها رغم التصدي لجزء منها. وتُعدّ هذه الطريقة إحدى أبرز نقاط الضعف لأي نظام دفاعي يعتمد على عدد محدود من المنصات والذخيرة الاعتراضية.
الصواريخ فوق الصوتية والطائرات الوهمية
أحد الأبعاد النوعية في الهجوم الإيراني تمثل في استخدام صواريخ يُحتمل أن تكون فرط صوتية (hypersonic)، ذات قدرة عالية على المناورة، مما يجعل اعتراضها أمراً بالغ الصعوبة. هذه الصواريخ، بحسب ميسمر، يمكن برمجة مساراتها مسبقاً أو تعديلها لحظة المواجهة، بما يربك أنظمة الدفاع ويوسّع هامش اختراقها.
من جانبها، تشير الباحثة مارينا ميرون من كينجز كوليدج لندن إلى احتمال استخدام إيران لطائرات مسيّرة وهمية بهدف خداع الدفاعات الجوية، بل وتسبّب بعضها – كما أفادت التقارير – في إطلاق صواريخ إسرائيلية نحو أهداف خاطئة أو حتى نحو بعضها البعض.
الاستخدام المحتمل للحرب الإلكترونية
أشارت ميرون إلى احتمال استخدام إيران وسائل حرب إلكترونية ضمن الهجمات، مما أضعف من دقة رصد الأهداف الحقيقية، وأدى إلى استنزاف الذخائر الدفاعية الإسرائيلية، خصوصاً مع تداخل الطائرات المسيّرة مع مسارات الصواريخ في هجوم منسق متعدد المحاور.
هل تفقد إسرائيل احتكار "التفوق الدفاعي"؟
ما جرى خلال هذه الجولة من التصعيد لا يشير إلى تفوق إيراني كامل، لكنه يسلط الضوء على قدرة طهران على إحراج تل أبيب تقنيًا واستراتيجيًا، من خلال تكتيكات هجومية غير تقليدية تعتمد على الكثرة، الخداع، والتشويش، أكثر من الاعتماد على الدقة.
ورغم أن القبة الحديدية لا تزال، في نظر كثير من المحللين، منظومة فريدة ذات معدلات اعتراض عالية، فإن الرهان الإسرائيلي على "الردع التكنولوجي" بات مهدداً، لا سيما في حال تكررت نماذج الاختراق هذه، أو تبنتها أطراف أخرى كـ"حزب الله" بأسلحة إيرانية مشابهة.