أهداف وساطة روسيا بين طهران وتل أبيب

في خضم التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل، طَرَح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه وسيطًا لحلحلة التوتر، في خطوةٍ تُقرأ على أكثر من مستوى، سياسيًا واستراتيجيًا، إقليميًا ودوليًا. فالعرض الروسي، الذي جاء عقب تنديد موسكو السريع بالهجمات الإسرائيلية على إيران، لا يمكن قراءته بمعزل عن رغبة الكرملين في إعادة تموضعه كقوة دولية وازنة بعد العزلة التي فرضها عليه الغرب منذ غزو أوكرانيا في 2022.
يسعى بوتين من خلال هذا العرض إلى كسر الحصار الدبلوماسي المفروض على موسكو، وإثبات قدرتها على لعب دور محوري في الملفات الساخنة عالميًا، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تُعد ساحة استراتيجية حساسة تتقاطع فيها مصالح روسيا والولايات المتحدة. وبالنسبة للكرملين، فإن الوساطة ليست فقط محاولة لاحتواء التصعيد بين حليفٍ إقليمي رئيسي (إيران) وخصم تربطه به علاقات تاريخية (إسرائيل)، بل أيضًا فرصة لاستعادة الزخم على الساحة العالمية.
المأزق الروسي بين الحليف والفرصة
ورغم العلاقات الجيدة تقليديًا مع تل أبيب، خصوصًا مع وجود جالية ناطقة بالروسية داخل إسرائيل، فإن الدعم العسكري الإيراني للروس في أوكرانيا، عبر المسيّرات والصواريخ، والذي تنفيه طهران رسميًا، رسّخ شراكة استراتيجية وثيقة بين موسكو وطهران. وقد تُوّج هذا التحالف بتوقيع معاهدة شراكة استراتيجية شاملة مطلع هذا العام، تركزت خصوصًا على التعاون العسكري.
لكن هذا التقارب مع إيران يقوّض حيادية موسكو، وهو ما عبّر عنه محللون كثر، إذ يرون أن روسيا طرف غير موثوق في وساطة كهذه. وقد سارعت إسرائيل والاتحاد الأوروبي إلى التلميح برفض هذا الطرح، فيما وصف المتحدث باسم المفوضية الأوروبية روسيا بأنها "ليست وسيطًا موضوعيًا". كما لم يتردد وزير الخارجية الفرنسي في الرد ساخرًا: "ابدأوا بأوكرانيا إذا أردتم إحلال السلام".
بوتين وترمب.. رهانات متبادلة
المفارقة أن طرح الوساطة الروسية حظي بإشارات انفتاح من واشنطن، وتحديدًا من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي عاد إلى البيت الأبيض مؤخرًا، ويبدو منسجمًا مع بوتين في رؤيته لعدد من الملفات الدولية. ترمب كان قد وعد بحل النزاع الأوكراني خلال 24 ساعة من وصوله إلى السلطة، وهو ما يعكس مسعى روسيًا للاستفادة من تباينات البيت الأبيض الجديدة في مقاربة الملفين الإيراني والأوكراني.
وتُشير الباحثة تاتيانا كاستوييفا-جان إلى أن موسكو تحاول استخدام ترمب كورقة ضغط، ليس فقط في الملف الإيراني، بل لتوسيع مجال المناورة الروسية في القضايا العالمية، واستثمار أي شقوق في الموقف الغربي الموحد ضدها.
إسرائيل، إيران، والورقة النووية
جوهر الصراع الإسرائيلي–الإيراني يظل متصلًا بالملف النووي، حيث ترى إسرائيل في سعي طهران نحو التخصيب تهديدًا وجوديًا، بينما تنفي إيران باستمرار رغبتها في امتلاك سلاح نووي. وتعي موسكو أن تفعيل وساطتها في هذا السياق قد يُعيدها لاعبًا محوريًا في مفاوضات الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن في 2018، ويفتح لها مجالًا لفرض شروط سياسية مقابل لعب دور الضامن أو المُيسّر.
بحسب نيكول غراييفسكي من معهد كارنيغي، فإن سعي روسيا للعب دور الوسيط ليس معزولًا عن أهدافها الأوسع، فموسكو تطمح لاستخدام هذه المبادرة كورقة تفاوض على تخفيف العقوبات الغربية، والحصول على اعتراف بالأراضي الأوكرانية التي ضمّتها. فوساطة ناجحة في نزاع إقليمي حادّ مثل النزاع الإيراني-الإسرائيلي قد تمنح الكرملين صكّ عودة إلى طاولة الكبار.