صواريخ إيران وطائرات أمريكا.. سماء مشتعلة وصراع إرادات في حلبة الشرق الأوسط

في تصعيد غير مسبوق، أظهرت الاشتباكات الأخيرة بين إيران وإسرائيل تطورًا لافتًا في تكتيكات الردع والضربات المتبادلة، خاصة مع دخول صاروخ "فتاح" الإيراني من الجيل الأول إلى مسرح العمليات. مشاركة هذا الصاروخ في الرشقات الصاروخية الأخيرة تشير بوضوح إلى أن سماء إسرائيل لم تعد حصنًا منيعًا، بل تحولت إلى ساحة اختراق متكررة للصواريخ الإيرانية، في حين ما تزال سماء إيران تحت الهيمنة الجوية للطيران الحربي الإسرائيلي-الأمريكي المشترك.
حقيقة "التفوق الجوي المتبادل" تترنح تحت ضغط الواقع الميداني
رغم تفوق إسرائيل الجوي، فإن صور الحرائق التي اجتاحت تل أبيب وحيفا – رغم الرقابة الأمنية الصارمة – تعكس شللاً نسبياً في منظومة الدفاع الجوي، وتؤكد صدق تصريحات الحرس الثوري الإيراني حول اختراق الأجواء الإسرائيلية. وعجز القبة الحديدية عن التصدي للضربات الأخيرة يُظهر أن إسرائيل، رغم التكنولوجيا المتقدمة، تبدو في وضع يشبه "ملاكم مترنّح" يتلقى الضربات دون قدرة حقيقية على الردع.
في المقابل، لجأت السلطات الإسرائيلية إلى حملة قمع معلوماتي غير مسبوقة، حيث اعتقلت أجهزة الأمن الداخلي (الشاباك) مستوطنين لمجرد توثيقهم مشاهد الدمار على هواتفهم، ما يكشف عن مستوى الحرج الرسمي من كشف حجم الخسائر أمام الرأي العام.
مقارنة إعلامية.. بين غزة وإيران
في الحروب السابقة، خاصة مع غزة، أدركت المقاومة أهمية المعركة الإعلامية فوثّقت هجماتها ومواقع استهدافها، مدركةً أن إسرائيل تُجيد استخدام أسلوب "جوبلز" النازي في الحرب النفسية: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. إيران، من جهة أخرى، تبدو أقل براعة إعلاميًا، لكن الطبيعة الجغرافية الضيقة لإسرائيل تجعل من المستحيل التعتيم على نتائج الضربات الدقيقة، خصوصًا حين تستهدف مواقع حساسة في الليل وتخلف دمارًا يصعب إخفاؤه.
صدمة أمنية وأزمة استخباراتية
الهجوم على مديرية الاستخبارات العسكرية "أمان" وسط تل أبيب شكّل نقطة تحول حرجة. ليس فقط لأن الموقع محصن ويقع داخل ما يعرف بـ"الغابة الدفاعية" متعددة الطبقات، بل لأن الصدمة كانت في دقة الاستهداف. ما أثار تساؤلات ملحة: من أين حصلت إيران أو حلفاؤها على معلومات بهذا المستوى من الحساسية؟ وكيف فشلت هذه المنظومة الدفاعية المتقدمة في الحماية؟
تغير نبرة الإعلام الصهيوني والأمريكي: 48 ساعة حاسمة بدل "أسبوع مرونة"
تبدل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي فجأة؛ فبعد أن كانت التصريحات تتحدث عن أسبوع من المناورة، خرجت تقارير في "فورين بوليسي" وصحف أخرى لتقول إن "الـ48 ساعة القادمة حاسمة". هذا التحول يعكس حالة من الذعر والتخبط، وضغوطًا متزايدة على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتحرك، في وقت تشير فيه تقارير مسرّبة إلى أن ترامب – بعد خروجه من اجتماع الأمن القومي – بدا مترددًا بشكل غير معتاد.
بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمح إلى أن ترامب تراجع عن قرارات كانت تُدرس بجدية، ما يشير إلى احتمال وجود تحذيرات استخباراتية وصلت إليه بشأن عواقب التدخل المباشر، خصوصًا أن السيناريوهات المقترحة قد تعيد إلى الأذهان فشل أمريكا في فيتنام، حيث لم تُجْدِ الضربات الجوية ولا الاجتياح البري، وانتهت المعركة بانهيار الحليف المحلي وسقوط سايغون.
نتنياهو يستغيث بالنار
ضمن هذا السياق، يُنظر إلى استغاثة نتنياهو بالحرب على أنها محاولة يائسة للهروب من أزماته الداخلية، وربما لإنقاذ مستقبله السياسي، على حساب زجّ إسرائيل في مواجهة إقليمية مفتوحة. لكن الرسالة التي تلقاها ترامب، كما نُقل عنه، تلخص المأزق: "نتنياهو يستجير من الرمضاء بالنار"، إذ إن أي تدخل أمريكي مباشر في ظل فاعلية الصواريخ الإيرانية قد يقود إلى استنزاف مشابه لما عاشته أمريكا في جنوب شرق آسيا.
عقيدة "الراية" بدل "المخبأ"
من جانب آخر، فإن اغتيال القادة الإيرانيين لم يعد ورقة فعالة. فالنظام الإيراني بنى منظومة قيادية مرنة وطبقية، تتيح استبدال كل قائد مستهدف بـ11 بديلاً جاهزًا. وهي فلسفة مستوحاة من المعارك الإسلامية القديمة: الراية لا تسقط، بل تنتقل إلى من يلي القائد فورًا، ما يعكس عقلية تنظيمية تقاتل من الميدان وليس من المخابئ.