اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

انقسام في إسرائيل بعد تعيين ”زيني” رئيسًا لـ الشاباك

الشاباك
الشاباك

في خطوة وُصفت بأنها تفتقر إلى الحكمة السياسية وتُعزز مظاهر التسييس داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أعلن ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن تعيين اللواء دافيد زيني رئيسًا جديدًا لجهاز الأمن العام (الشاباك)، خلفًا لرونين بار الذي غادر المنصب في أجواء متوترة أعقبت خلافات حادة مع نتنياهو. هذا التعيين المفاجئ أثار عاصفة من الانتقادات، ليس فقط من قبل المعارضة، بل من داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية ذاتها.


الجنرال غادي آيزنكوت، رئيس الأركان الأسبق وعضو الكنيست الحالي، وصف التعيين بأنه "مهزلة"، معتبرًا أن اختيار زيني في هذا التوقيت الحساس يتم بدوافع مشوهة لا تعكس مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي بقدر ما تعكس مصلحة نتنياهو السياسية.
ودعا آيزنكوت زيني نفسه إلى التحلي بالمسؤولية الوطنية ورفض المنصب، مشيرًا إلى أن اللحظة الراهنة تتطلب قيادة أمنية مهنية بعيدة عن الحسابات السياسية الضيقة.


آيزنكوت لم يكتف بانتقاد التعيين، بل اتهم القيادة السياسية ممثلة في نتنياهو والمجلس الوزاري المصغر بالفشل في إدارة الحرب على غزة، قائلاً إن الأهداف المعلنة للعملية لم تتحقق رغم مرور أكثر من 600 يوم على اندلاعها، وعلى رأسها إعادة المختطفين الإسرائيليين. وهو بذلك يُلمّح إلى فقدان القيادة السياسية والعسكرية القدرة على صياغة استراتيجية خروج واضحة، بل وتحوّل الحرب إلى أزمة مستمرة دون أفق سياسي أو عسكري حاسم.

خصومات شخصية

من جهة أخرى، دافع وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش عن تعيين زيني، واعتبره شخصية مناسبة لإعادة تأهيل جهاز الشاباك خلال ما وصفه بـ"الفترة الحرجة من الحرب". ينسجم هذا الموقف مع اتجاه حكومي عام يسعى إلى إعادة تشكيل قيادات الأجهزة الأمنية بما يتناسب مع الرؤية اليمينية للحكومة الحالية، والتي تُتهم مرارًا بتقويض استقلالية المؤسسات لصالح الولاء السياسي.
وفي تناقض صارخ مع هذا الدفاع، نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي تشكيكهم في أهلية زيني، بل إن بعضهم ذهب إلى حد مطالبته بالاستقالة، وهو ما يُظهر الانقسام العميق داخل المؤسسة الأمنية حول شخصية زيني ومؤهلاته. لا يبدو أن هذه الانتقادات تنبع من خصومات شخصية، بل من قلق حقيقي حيال تراجع المعايير المهنية في التعيينات العليا، في ظل هيمنة الاعتبارات السياسية.
الموقف الأكثر تصعيدًا جاء من زعيم الحزب الديمقراطي الإسرائيلي، يائير جولان، الذي هاجم القرار بحدة، واعتبره جزءًا من "انقلاب حكومي شامل" يقوده نتنياهو، متحديًا بذلك توصيات المستشارة القضائية للحكومة. وذهب جولان إلى أبعد من ذلك حين حذر من تداعيات هذا التعيين في ظل خضوع رئيس الوزراء نفسه لتحقيقات قانونية، مشددًا على أن رئيس حكومة يواجه اتهامات جنائية لا يحق له تعيين رؤساء أجهزة أمنية سيادية، لما في ذلك من تضارب واضح في المصالح.

جدل متصاعد

جولان، الذي سبق له الإشراف على زيني أثناء خدمته في الجيش، وصفه بأنه "ضابط مرموق لكنه غير مؤهل لرئاسة الشاباك"، مما يعزز فكرة أن معارضة التعيين لا تستند إلى خلفيات شخصية أو حزبية فقط، بل إلى تقييمات مهنية مبنية على معرفة مباشرة بزيني وتاريخه في المؤسسة الأمنية.
وعلى إثر الجدل المتصاعد، سارع جولان لتوضيح تصريحاته الأخيرة في مقابلة تلفزيونية مع القناة 12 الإسرائيلية، بعد أن أثارت ضجة بسبب اتهامه لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. حاول جولان التخفيف من وقع كلامه قائلاً إن تصريحاته كانت موجهة للقيادة السياسية وليست اتهامًا مباشرًا للجيش، مؤكدًا أن "إسرائيل لا تقتل الأطفال كهواية" وأن "حماس هُزمت عسكريًا، لكن استمرار الحرب لم يعد يخدم إلا الأهداف السياسية".
كما أشار إلى التفاوت في مساءلة الخطاب السياسي في إسرائيل، مذكرًا بأنه لم يُطلب من وزراء مثل سموتريتش أو إيتمار بن جفير الاعتذار عن تصريحاتهم المتطرفة، بينما يُحاكم هو على تعبيرات سياسية ناقدة. وهو ما يفتح النقاش حول حرية التعبير السياسي في ظل الحكومة اليمينية الحالية، ومدى تسييس وسائل الإعلام ومؤسسات العدالة.
تعيين زيني إذن لا يمكن قراءته بمنأى عن السياق العام في إسرائيل، الذي يشهد أزمة قيادة عميقة، واستقطابًا سياسيًا غير مسبوق، وتصاعد الشكوك حول تسييس الأجهزة الأمنية والقضائية. وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة هذه المؤسسات على الحفاظ على استقلاليتها في ظل حكومة تسعى، حسب منتقديها، إلى إعادة هيكلة الدولة وفقًا لمصالحها الإيديولوجية والشخصية.
في المحصلة، لا يتعلق الجدل حول زيني بشخصه فقط، بل يتحول إلى مرآة تعكس الأزمة الأعمق في إسرائيل: أزمة ثقة بين المؤسسة العسكرية والسياسية، وتآكل الفصل بين السلطات، وعودة شبح التعيينات الحزبية في أخطر المواقع الأمنية.