بين واشنطن وبكين.. جرينلاند تبحث عن شركاء بلا شروط

في ضوء التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة القطب الشمالي، أطلقت وزيرة الاقتصاد والموارد المعدنية في جرينلاند، نايا ناثانيلسن، تحذيراً صريحاً يعكس حجم التحديات التي تواجه الجزيرة في سعيها لتطوير قطاع التعدين وتعزيز شراكاتها الاقتصادية. الرسالة التي وجهتها ناثانيلسن إلى الولايات المتحدة وأوروبا مفادها أن الوقت ينفد، وإن لم يسارع الشركاء الغربيون إلى الاستثمار في ثروات جرينلاند المعدنية، فقد تجد الجزيرة نفسها مضطرة لطرق أبواب منافسين استراتيجيين مثل الصين، رغم الحذر الواضح من تداعيات مثل هذا التوجه.
الأزمة في سياقها الجيواقتصادي
تشير تصريحات الوزيرة إلى توتر غير معلن في العلاقة مع واشنطن، لا سيما أن مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة بشأن استغلال المعادن على وشك الانتهاء دون مؤشرات واضحة على التجديد، في ظل غياب الاهتمام الكافي من إدارة بايدن. المفارقة أن هذا البرود الأميركي يأتي بعد سنوات قليلة من محاولات إدارة ترمب المثيرة للجدل لشراء جرينلاند، والتي وصفتها ناثانيلسن بأنها "مهينة وغير محترمة"، الأمر الذي خلف أثراً عاطفياً وسياسياً عميقاً في وعي سكان الجزيرة الذين لا يتجاوز عددهم 57 ألف نسمة.
في المقابل، تبدو الصين حاضرة كبديل محتمل، لكنها ليست بالضرورة خياراً سهلاً أو مرغوباً. الوزيرة أكدت أن الشركات الصينية العاملة حالياً محدودة التأثير، وربما تتجنب التوسع لتفادي "الاستفزاز"، في إشارة ضمنية إلى التعقيدات الجيوسياسية التي قد ترافق أي استثمار صيني واسع النطاق في منطقة تتنازع فيها النفوذ قوى كبرى.
التحول نحو شركاء "ذوي توجهات متشابهة"
رغم الضغوط، تُظهر جرينلاند توجهاً واضحاً نحو تأمين شراكات مع جهات أوروبية أقرب في المعايير والقيم. فقد منحت السلطات أول ترخيص تعدين في ظل قانون جديد لشركة دنماركية فرنسية لاستخراج معدن "الأنورثوسيت"، المستخدم في صناعة الألياف الزجاجية. المشروع، الذي تبلغ تكلفته نحو 150 مليون يورو، يعكس رغبة جرينلاند في بناء اقتصاد تعديني قوي، مستقل نسبياً عن الأجندات السياسية للدول الكبرى.
الوزيرة أوضحت أن الحكومة الائتلافية الجديدة، المكونة من أربعة أحزاب، تضع أولوية واضحة لتنمية موارد البلاد لخدمة سكانها، لا لتلبية مصالح خارجية، مؤكدة أن "الاستثمارات الغربية أيضاً تطرح إشكاليات"، خاصة في ظل "التحالفات الغربية المتغيرة"، وتذبذب المواقف الأميركية.
التحدي الحقيقي: تأمين استقلال القرار التنموي
الواضح من التصريحات أن جرينلاند تقف عند مفترق طرق: بين رغبتها في الانفتاح على العالم للاستفادة من ثرواتها الطبيعية، وبين حاجتها لحماية استقلال قرارها السياسي والاقتصادي من الاستقطاب الحاد بين الولايات المتحدة والصين. وفي ظل ندرة المعادن الحرجة في أوروبا، ترى ناثانيلسن أن الاتحاد الأوروبي "شريك طبيعي"، خاصة مع تقارب السياسات البيئية والمصالح الجيواقتصادية.
جرينلاند لا تبحث عن هيمنة جديدة، بل عن شراكة قائمة على التوازن، تحترم إرادة سكانها، وتمنحها حق تقرير مصيرها الاقتصادي، بعيداً عن التهديدات أو العروض الانتهازية.