غزة تختنق بالكربون.. حرب إسرائيل تُفاقم الكارثة المناخية

خلصت دراسة حديثة إلى أن البصمة الكربونية الناجمة عن الأشهر الـ15 الأولى من العدوان الإسرائيلي على غزة تُعادل أو تفوق الانبعاثات السنوية لغازات الدفيئة في أكثر من 100 دولة منفردة، ما يضع هذا الصراع في مصافّ أكثر الكوارث المناخية البشرية الحديثة، ليس فقط من حيث الدمار البشري والبُنى التحتية، بل أيضاً كحدث بيئي عالمي من الدرجة الأولى.
تُقدَّر الانبعاثات المباشرة للصراع بنحو 1.89 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، معظمها ناتج عن القصف الجوي والغزو البري الإسرائيلي. وتُشير الدراسة التي أعدها باحثون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة – ونشرتها صحيفة ذا غارديان البريطانية – إلى أن التكلفة الكربونية طويلة الأمد لعمليات التدمير والتطهير وإعادة الإعمار في غزة قد تصل إلى 31 مليون طن، أي ما يفوق الانبعاثات السنوية لدول مثل كوستاريكا وإستونيا مجتمعتين.
أكبر مصدر للانبعاثات
تشير الأرقام إلى أن 50% من الانبعاثات المباشرة ناتجة عن استخدام الأسلحة والدبابات والذخائر من قبل الجيش الإسرائيلي، بينما لا تتجاوز مساهمة "حماس" 0.2% من الانبعاثات الكلية، بما في ذلك وقود صواريخها ومخابئها. أما المساهمة الأميركية، فتُقدَّر بحوالي 30% من الانبعاثات الناتجة عن شحنات الأسلحة والدعم اللوجستي لإسرائيل، والتي نُقلت جواً وبحراً من مستودعات أوروبية.
غياب الشفافية
تُبرز الدراسة مشكلة بنيوية في آليات المساءلة المناخية العالمية، حيث لا تُلزم الأمم المتحدة الدول بالإفصاح عن الانبعاثات العسكرية في تقاريرها المناخية، ما يُخفي تأثير الصراعات المسلحة على البيئة والمناخ، ويفتح باباً واسعاً للإفلات من المسؤولية البيئية، حتى في حالات الحروب طويلة الأمد كالعدوان على غزة.
إعادة الإعمار.. فخ الكربون القادم
في واحدة من أكثر التقديرات صدمة، حذّرت الدراسة من أن إعادة بناء غزة – بما يشمل 436 ألف شقة، و700 مدرسة، ومساجد، وعيادات، وطرق – ستنتج ما لا يقل عن 29.4 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. أي أن الكلفة البيئية لإعادة الحياة ستفوق الانبعاثات السنوية لدول بأكملها مثل أفغانستان أو الأردن، ما يُثير تساؤلات أخلاقية حول "العدالة المناخية" في مناطق النزاع.
حروب متشابكة وكربون متصاعد
امتد التقييم ليشمل التداعيات المناخية لامتداد الصراع الإسرائيلي إلى اليمن ولبنان وإيران. ففي اليمن، أطلق الحوثيون نحو 400 صاروخ على إسرائيل، مخلّفين انبعاثات تُقدَّر بـ55 طناً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بينما بلغ ردّ الفعل الجوي الإسرائيلي 50 ضعفاً من هذه الكمية. وفي لبنان، شكّلت الضربات الإسرائيلية 90% من الانبعاثات الناتجة عن الاشتباكات، مما يكشف بوضوح غياب التناسب البيئي والعسكري.
الحرب تُسرّع الكارثة المناخية
تُظهر البيانات أن العدوان على غزة ليس مجرد صراع إقليمي محدود، بل مُسرّع مباشر لفوضى مناخية عالمية. فالدخان المتصاعد من التفجيرات، واستهلاك الوقود الأحفوري، وتدمير البُنى التحتية، وانتشار الأنقاض والملوّثات، تمثّل كلها عوامل تُفاقم تغير المناخ، وتزيد من الظواهر الجوية المتطرفة، وتُجبِر الملايين على النزوح.
أستريد بوينتس، المقررة الخاصة للأمم المتحدة للبيئة، شددت على أن "الاعتداء على غزة يهدد أشكال الحياة كافة، ويقوّض حقوق الإنسان، ليس فقط في فلسطين، بل على مستوى عالمي"، مؤكدة أن تجاهل البُعد المناخي للصراع يُمثل خللاً خطيراً في نظام العدالة الدولي.
مؤشرات التواطؤ الدولي
تؤكد الدراسة أن هذا الدمار المناخي لم يكن ليحدث دون الدعم المفتوح من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين قدّموا لإسرائيل موارد عسكرية غير محدودة، ما يجعل هذه الحرب شأناً غربياً بامتياز، يُسلّط الضوء على البنية التوسعية للمجمّع الصناعي العسكري الغربي.
الحرب والمناخ.. جريمة مزدوجة
لا تقتصر تداعيات العدوان على غزة على التهجير والتجويع والقتل، بل تمتد إلى تخريب شامل للبيئة، بما يشمل تلويث الهواء والتربة والمياه، وعرقلة عمليات التكيّف البيئي، والإضرار المستدام بمستقبل السكان. وكما قالت هديل إخميس من سلطة جودة البيئة الفلسطينية: "الحروب تُطلق مواد كيميائية قاتلة، وتدمّر الأرض، وتُسرّع الكوارث المناخية. تجاهل هذه التكاليف الكربونية هو بابٌ مفتوح للإفلات من جرائم بيئية غير مسبوقة".