اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار
شركة طيران تصدم ركابها بالرسوم الجديدة.. ما القصة؟ غزة.. الحديث يدور عن الهدنة وسط القتل والغارات في أول لقاء بينهما.. ترامب يحذر رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» من عدم خفض الفائدة إيفانكا ترامب الأكثر طلباً.. أمريكيون يخضعون لعمليات تجميل ليصبحوا مثل السياسيين رئيس وزراء كندا السابق يثير الجدل أثناء لقائه الملك تشارلز.. تعرف على السبب حماس: الرد الإسرائيلي على مقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار لا يلبي مطالب الحركة «الدعم السريع» تعيد تموضعها في غرب السودان والجيش يُصعِّد جواً تنديد دولي بمشروع استيطاني جديد يمهد لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة تريليون دولار.. وزير اقتصاد دمشق يكشف تكلفة بناء سوريا الجديدة تلفزيون الاحتلال الإسرائيلي: نتنياهو أبلغ عائلات الأسرى موافقته على مقترح ويتكوف الجديد إسرائيل تبني 22 مستوطنة جديدة لإضفاء شرعية على احتلال الضفة الغربية طبيبة بريطانية متطوعة في غزة: ما يحدث هنا أكبر جريمة حرب في تاريخ الإنسانية

المساعدات المشروطة.. كيف تحوّلت آلية الإغاثة في غزة إلى أداة قهر سياسي؟

أطفال فلسطين
أطفال فلسطين

تعيش غزة هذه الأيام على وقع مأساة إنسانية جديدة، تتجسد في مشاهد الفوضى والدماء المصاحبة لتوزيع المساعدات الغذائية، ضمن آلية "موازية" مثيرة للجدل تُدار خارج منظومة الأمم المتحدة، وتحمل توقيعاً مشتركاً بين إسرائيل وجهات أميركية، عبر منظمة ناشئة تُدعى "مؤسسة غزة الإنسانية". وفي ظل الحصار الإسرائيلي الخانق منذ أكثر من 80 يوماً، تتحول المساعدات من شريان نجاة إلى ساحة اشتباك، وأداة ضغط بدل أن تكون جسراً للرحمة.

فوضى التوزيع وسقوط الضحايا

تسبب إطلاق نار إسرائيلي، خلال يومين متتاليين من عمليات توزيع المساعدات، في إصابة عشرات الفلسطينيين ومقتل ثلاثة على الأقل، وسط ازدحام آلاف الجائعين في نقاط التوزيع، كما في حي تل السلطان برفح ووسط مدينة دير البلح. منظمة الصحة الدولية وبرنامج الأغذية العالمي أكدا وقوع ضحايا، فيما نقلت طواقم الصليب الأحمر الميدانية جرحى من النساء والأطفال أصيبوا بأعيرة نارية. المشهد أصبح أقرب إلى "مطاردة غذائية دامية"، حيث تحوّلت مواقع التوزيع إلى نقاط نزاع، لا تختلف كثيراً في منطقها الأمني عن معسكرات تحكم بالبيانات البيومترية.

التفاف على العمل الإنساني

الآلية المعتمدة حديثاً لتوزيع المساعدات تُدار من قبل "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي كيان خاص تدعمه الولايات المتحدة ويتمتع بموافقة إسرائيلية مباشرة، ويُدار أمنياً عبر مقاولين خاصين. وتُنفّذ هذه المنظومة بعيداً عن الإشراف الأممي، ما أثار موجة رفض واسعة من قبل وكالات الإغاثة والمنظمات الحقوقية، التي اعتبرت المشروع "انتهاكاً مباشراً" للمبادئ الإنسانية الأربعة: الحياد، الاستقلال، عدم التحيز، والإنسانية.
وثائق مسربة تعود إلى نوفمبر الماضي كشفت أن المؤسسة توقعت هذا الرفض مسبقاً، وجهزت دفاعاتها الإعلامية تحسباً لوصف مراكزها بـ"معسكرات اعتقال"، بل وظهرت مقارنات علنية بينها وبين شركة "بلاك ووتر" الأميركية سيئة الصيت في العراق، مما يعكس فهماً مسبقاً لطبيعة الجدل الذي ستثيره.

احتجاجات واستقالات من الداخل

المشكلة لا تقف عند حدود التوتر الميداني، بل وصلت إلى داخل المؤسسة نفسها، حيث استقال اثنان من كبار مسؤوليها خلال الأسبوع الجاري، معتبرين أن المشروع "يناقض مبادئ العمل الإنساني". هذه الانقسامات الداخلية تسلط الضوء على عمق الأزمة الأخلاقية والسياسية الكامنة خلف المشروع، خصوصاً أنه يُتهم بتوظيف المساعدات كأداة لتوجيه السكان قسراً نحو الجنوب، حيث تتمركز نقاط التوزيع، مما يثير شبهات "التهجير غير المباشر".

إدانة أممية واسعة

وكالات الأمم المتحدة كافة رفضت الانخراط في منظومة التوزيع الجديدة. منظمة أوكسفام أكدت أن "ما يُسوّق على أنه آلية إنسانية ليس سوى نظام للسيطرة، يُجرد الفلسطينيين من حقوقهم ويُفرغ العمل الإغاثي من جوهره". كما أشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في غزة إلى أن ما يحدث هو "نقص مدبر"، وليس مجرد خلل في إدارة المساعدات.
الجيش الإسرائيلي، من جهته، زعم أنه أطلق "طلقات تحذيرية" فقط، بينما أظهرت مقاطع فيديو تحقق منها صحافيو واشنطن بوست مشاهد إطلاق نار كثيف، وذعر جماعي، وتمزيق للسياج حول نقاط التوزيع. في الوقت ذاته، نفت "مؤسسة غزة الإنسانية" وقوع إطلاق نار داخل المواقع التي تديرها، إلا أنها أقرت بانسحاب المقاولين الأمنيين منها مؤقتاً بسبب "حجم الحشد".

فشل مشروع أم تعمّد إطالة الأزمة؟

في المقابل، اعتبر مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن "المشروع الإسرائيلي فشل فشلاً ذريعاً"، مستشهداً بالاندفاع الجماهيري المحموم نحو الطعام رغم المخاطر، في مشهد مؤلم يؤكد فشل الرهان على مشاريع توزيع "مؤدلجة" تعيد هيكلة السيطرة على الغذاء لا إنقاذ الجوعى.
السؤال الأكبر المطروح الآن: هل نحن أمام محاولة ممنهجة لتحويل المساعدات إلى أداة سياسية وأمنية؟ أم أن المشروع برمّته هو إعادة تدوير لسياسات الضغط عبر التجويع؟ في كلتا الحالتين، فإن الضحايا هم أولئك الذين تخلّت عنهم الإنسانية تحت وطأة صراعات النفوذ، ومنظومات التجريب في مختبر غزة المفتوح.

موضوعات متعلقة